توضيحه: إن كل شئ تتعلق به القدرة يجب أن يكون في حد ذاته ممكنا تتساوى إليه نسبة الوجود والعدم. وكونه واجب الوجود عند وجود علته لا يخرجه عن حد الإمكان. كما أن كونه ممتنع الوجود عند عدم علته لا يخرجه عن ذلك الحد. وعلى ذلك فمعلومه سبحانه، وإن كان بين محقق الوجود أو محقق العدم - أي بين ضرورة الوجود بالنسبة إلى وجود علته وضرورة العدم بالنسبة إلى عدم علته - لكن هذه الضرورة في كلا الطرفين لا تجعل الشئ واجبا بالذات أو ممتنعا كذلك. بل الشئ حتى بعد لحوق الضرورة أو الامتناع من جانب وجود علته أو عدمه، موصوف بالإمكان غير خارج عن حد الاستواء.
ففي المثال المفروض - أعني ولادة الإنسان في وقت معين - قد تعلق علمه وإرادته سبحانه على خلقه في ذاك الظرف، ولا يقع نقيضه. ولكن عدم وقوعه ليس لأجل عدم قدرته سبحانه عليه، بل في وسعه سبحانه قطع الفيض وعدم خلق المعلوم، بل لكونه على خلاف ما علم وأراد، فكم فرق بين عدم القيام بالشئ (عدم الخلقة) لأجل كونه خلاف ما علم صلاحه، وعدم قدرته عليه.
ج - عدم قدرته تعالى على مثل مقدور العبد ذهب البلخي إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد، لأنه إما طاعة أو معصية أو عبث، وفعل الإنسان لا يخرج عن هذه العناوين الثلاثة، وكلها مستحيلة عليه تعالى وإلا لزم اتصاف فعله بالطاعة أو المعصية أو العبث. والأولان يستلزمان أن يكون لله تعالى آمر، وهو محال. والأخير يدخل تحت القبيح وهو مستحيل عليه سبحانه. وقد مرت الإجابة عن عدم قدرته على القبيح فلا نعيد. وأما الأولان فنقول:
إن الطاعة والمعصية ليستا من الأمور الحقيقية القائمة بالشئ نفسه،