أدلة التوحيد في الربوبية 1 - التدبير لا ينفك عن الخلق إن النكتة الأساسية في خطأ المشركين تتمثل في أنهم قاسوا تدبير عالم الكون بتدبير أمور عائلة أو مؤسسة وتصوروا أنهما من نوع واحد.
إن تدبيره سبحانه لهذا العالم ليس كتدبير حكم البلد بالنسبة إلى مواطنيه، أو رب البيت بالنسبة إلى أهله حيث إن ذاك التدبير يتم بإصدار الأوامر، ولكن التدبير في الكون في الحقيقة إدامة الخلق والإيجاد وقد سبق أن الخالقية منحصرة في الله سبحانه فالقول بالتوحيد فيها يستلزم القول بالتوحيد في التدبير.
توضيح ذلك: إن كل فرد من النظام الإمكاني بحكم كونه فقيرا ممكنا فاقد للوجود الذاتي، لكن فقره ليس منحصرا في وجوده في بدء تحققه وإنما يستمر هذا الفقر معه في جميع الأزمنة والأمكنة. فهو محتاج في إدامه وجوده بل حتى في علاقاته وروابطه وانسجامه مع مجموع العالم. وذلك أن حقيقة التدبير ليست إلا خلق العالم وجعل الأسباب والعلل بحيث تأتي المعاليل والمسببات دبر الأسباب وعقيب العلل، وبحيث تظهر أجزاء الكون إلى الوجود وراء بعضها البعض تباعا، وبحيث يؤثر بعضها في البعض الآخر حتى يصل كل موجود إلى كماله المناسب وهدفه المطلوب فإذا كان المراد من التدبير هو هذا فهو بعينه عبارة عن مسألة الخلق، فكيف يمكن أن نعتقد بأن التدبير مغاير للخلق ونعتبرهم أمرين مختلفين.
إن تدبير الوردة ليس إلا تكونها من المواد السكرية في الأرض ثم توليدها الأوكسجين في الهواء إلى غير ذلك في عشرات الأعمال الفيزيائية والكيميائية في ذاتها، وليست كل منه إلا شعبة من الخلق. ومثله الجنين مذ تكونه في رحم الأم، فلا يزال يخضع لعمليات التفاعل والنمو حتى يخرج من بطنها، وليست هذه التفاعلات إلا شعبة من عملية الخلق وفرع منه وإيجاد بعد إيجاد.