الثاني - ما هو المراد من قيام المعلول بعلته إذا كان توصيف الوجود بالإمكان بمعنى قيامه بعلته، يقع الكلام في حقيقة ذلك القيام وأنه من أي نوع من أنواعه. فهل هو من قبيل قيام العرض بموضوعه أو الجوهر بمحله، أو أن قيامه بها يرجع إلى معنى دقيق ويشبه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي في المراحل الثلاث، التصور والدلالة والتحقق. إليك البيان:
إذا قلت: سرت من البصرة إلى الكوفة، فهناك معان اسمية هي السير والبصرة والكوفة، ومعنى حرفي وهو كون السير مبدوءا من البصرة ومنتهيا إلى الكوفة. فالابتداء والانتهاء المفهومان من كلمتي " من " و " إلى " فاقدان للاستقلال في مجال التصور فلا يتصوران مستقلين ومنفكين عن تصور البصرة والكوفة، وإلا لعاد المعنى الحرفي معنى إسميا، ولصار نظير قولنا:
" الابتداء خير من الانتهاء ".
وكذلك فاقدان للاستقلال في مجال الدلالة فلا يدلان على شئ إذا انفكتا عن مدخوليهما.
كما هما فاقدان للاستقلال في مقام التحقق والوجود، فليس للابتداء الحرفي وجود مستقل منفك عن متعلقه، كما ليس للانتهاء الحرفي وجود كذلك.
فالحفاظ على المعنى الحرفي لا يتحقق إلا بثبوت عدم الاستقلال له في المجالات الماضية، وإلا لخرج عن كونه معنى حرفيا.
وعلى ضوء ذلك يتبين وزان الوجود الإمكاني الذي به تتجلى الأشياء وتتحقق الماهيات، وبه تصير الماهيات كالشجر والحيوان والإنسان من الأعيان الخارجية، فإن وزانه إلى الواجب لا يعدو عن وزان المعنى الحرفي إلى الاسمي، وذلك لأن الصادر من الواجب هو الوجود وهو لا يخلو من قسمين: إما واجب أو ممكن، والأول خلف لكون المفروض معلوميته وصدوره عنه، وما هو كذلك لا يمكن أن يخرج عما هو عليه. فيتعين