بين التشبيه والتعطيل على ذلك الأساس افترق الإلهيون إلى مشبهة تشبه ربها بإنسان له لحم، ودم، وشعر، وعظم، وله جوارح وأعضاء حقيقة من يد، ورجل، ورأس، وعينين، مصمت، له وفرة سوداء، وشعر قطط. يجوز عليه الانتقال والمصافحة (1).
فهؤلاء تورطوا في مغبة التجسيم ومهلكة التشبيه، وإنكار بارئ بهذه الأوصاف المادية المنكرة أولى من إثباته ربا للعالم، لأن الاعتقاد بالبارئ على هذه الصفات يجعل الألوهية والدعوة إليها أمرا منكرا تتنفر منه العقول والأفكار المنيرة.
فإذا كانت تلك الطائفة متهورة في تشبيهها ومفرطة في تجسيمها، فإنا نجد في مقابلها طائفة أخرى التحرز عن وصمة التشبيه وعار التجسيم فوقعت في إسارة التعطيل، فحكمت بتعطيل العقول عن معرفته سبحانه ومعرفة صفاته وأفعاله، قائلة بأنه ليس لأحد الحكم على المبدأ الأعلى بشئ من الأحكام، وليس إلى معرفته من سبيل إلا بقراءة ما ورد في الكتاب والسنة، فقالت: إن النجاة كل النجاة في الاعتراف بكل ما ورد في الشرع الشريف من دون بحث ونقاش ومن دون جدل وتفتيش. فهذا " مالك " عندما سئل عن معنى قوله سبحانه: * (ثم استوى على العرش) *، قال:
الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة (2).
وقد نقل عن سفيان بن عيينة أنه قال: " كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه " (3).