هل التحسين والتقبيح العقليان من المشهورات؟
ربما يظهر من بعض الحكماء والمتكلمين أن التحسين والتقبيح العقليين من المشهورات التي اتفقت عليها آراء العقلاء وتسمى ب " الآراء المحمودة ".
وقال الشيخ الرئيس في (الإشارات): فأما المشهورات.. ومنها الآراء المسماة ب " المحمودة "، وربما خصصناها باسم " المشهورة "، إذ لا عمدة لها إلا الشهرة. وهي آراء لو خلي الإنسان وعقله المجرد، ووهمه وحسه، ولم يؤدب بقبول قضاياها والاعتراف بها، ولم يمل الاستقراء بظنه القوي إلى حكم، لكثرة الجزئيات، ولم يستدع إليها ما في طبيعة الإنسان من الرحمة والخجل والأنفة والحمية وغير ذلك، لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسه. مثل حكمنا إن سلب مال الإنسان قبيح وإن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه. ومن هذا الجنس ما يسبق إلى وهم كثير من الناس، وإن صرف كثيرا عنه الشرع من قبح ذبح الحيوان، اتباعا لما في الغريزة من الرقة لمن تكون غريزته كذلك، وهم أكثر الناس.
وليس شئ من هذا يوجبه العقل الساذج، ولو توهم نفسه وأنه خلق دفعة تام العقل ولم يسمع أدبا ولم يطع انفعالا نفسانيا أو خلقيا، لم يقض في أمثال هذه القضايا بشئ، بل أمكنه أن يجهله ويتوقف فيه. وليس كذلك حال قضائه بأن الكل أعظم من الجزء - إلى أن قال -: فالمشهورات إما من الواجبات وإما من التأديبات الصلاحية، وما يتطابق عليه الشرائع الإلهية، وإما خلقيات وانفعاليات، وإما استقرائيات وإما اصطلاحيات، وهي إما بحسب الاطلاق، وإما بحسب أصحاب صناعة وملة " (1).