وهذا الحكم الذي يصدره العقل لا يستند إلى شئ غير النظر إلى ماهية النظام وطبيعته الآبية للتحقق بلا فاعل عاقل مدبر. وهو لا يستند لا إلى التشابه ولا إلى التجربة كما تخيل (هيوم) وأضرابه.
إن ملاحظة العقل لما في جهاز العين أو الأذن أو المخ أو القلب أو الخلية من النظام، بمعنى وجود أجزاء مختلفة كما وكيفا، أولا، وتناسقها بشكل يمكنها من التفاعل فيما بينها ثانيا، وتحقيق الهدف الخاص منها ثالثا، يدفع العقل إلى الحكم بأنها من فعل خالق عليم، لاحتياجها إلى دخالة شعور وعقل وهادفية وقصد.
وبهذا تبين أن بين الجهاز المنظم، ودخالة العقل والشعور رابطة منطقية. وإن شئت قلت: إن ماهية نفس النظام بمقوماته الثلاثة (الترابط، والتناسق، والهادفية) تنادي بلسانها التكويني: إن النظام مخلوق عقل واسع وشعور كبير.
2 - تقرير الرابطة المنطقية بين النظام ودخالة الشعور بشكل آخر إن العقل عندما يرى اجتماع ملايين الشرائط اللازمة لاستقرار الحياة على الأرض بحيث لو فقد بعضها لاختلت الحياة، أو عندما يرى اجتماع آلاف الأجزاء والعناصر اللازمة للإبصار، في العين، بحيث لو فقد جزء واحد أو تقدم أو تأخر عن مكانه المعين لاختلت عملية الرؤية واستحال الإبصار، يحكم إن هناك عقلا جبارا أرسى مثل هذا النظام، وأوجد مثل هذا التنسيق والانسجام والترتيب والتوفيق، ويحكم بدخالة الشعور في ذلك ونفي حصوله بالصدفة والاتفاق، لأن اجتماعها عن طريق الصدفة كما يمكن أن يكون بهذه الصورة المناسبة كذلك يمكنه أن يكون بما لا يعد ولا يحصى من الصور والكيفيات الأخرى غير المناسبة، وحينئذ يكون احتمال استقرار هذه الصورة من بين تلكم الصور الهائلة، احتمالا ضعيفا جدا يكاد يبلغ الصفر الرياضي في ضآلته، وهو ما لا يذهب إليه الإنسان العادي فضلا عن العاقل المحاسب.