وهذه الأقوال الثلاثة، خصوصا الأخير منها إنكار للرؤية، وإن جاء بها الأشعري في عداد الأقوال المثبتة لها. نعم، ذكر أقوالا يشمئز الإنسان من سماعها مثلا: قال جماعة يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات. وأجاز عليه بعضهم الحلول في الأجسام وأصحاب الحلول إذا رأوا إنسانا يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه. وأجاز كثير ممن جوز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياه. وغير ذلك من الأقوال السخيفة الساقطة التي نبتت في منابت الإعراض عن الأصول الصحيحة لتحليل العقائد.
ولنقدم البحث عن عقائد العدلية فإن في إثباتها كفاية لرد سائر الأقوال وبيان وهنها. لكن إكمالا للبحث نذكر بعده ما عليه الأشاعرة من التفصيل في الرؤية بين الدنيا والآخرة.
ما هي حقيقة الرؤية اختلف المتكلمون في حقيقة الإبصار تبعا للباحثين الطبيعيين والمشهور بينهم قولان:
الأول: خروج الشعاع على هيئة المخروط من العين بحيث يكون رأسه في العين وقاعدته منطبقة على المبصر. وهذا القول متروك بفضل ما توصلت إليه الأبحاث الحديثة.
الثاني: انعكاس صورة المرئي على العين. وقد أوضحته الأبحاث العلمية بما حاصله إن الأشياء الخارجية ترى إذا وصل نورها إلى العين إما نورها النابع منها إذا كانت منيرة بنفسها كالشمس، أو المنعكس عليها من مصدر منير إذا لم تكن منيرة كما هو الغالب. فإذا وصل النور إلى العين فإنه يخترق أولا القرنية وهي غطاء العين الخارجي شفافة ومحدبة، فينكسر ثم يعبر " العنبية "، ويرد " العدسية " فينكسر مرة أخرى ويتمركز على طبقة حساسة داخل كرة العين تسمى الشبكية موجدا صورة مضيئة مقلوبة عن صورة