وأما الثاني - فهو قريب من الأول في البداهة، فإن القرآن يشتمل، وكذا سائر الصحف على الحوادث المحققة في زمن النبي من محاجة أهل الكتاب والمشركين وما جرى في غزواته وحروبه من الحوادث المؤلمة أو المسرة، فهل يمكن أن نقول بأن الحادثة التي يحكيها قوله سبحانه: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) * (1)، قديمة.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى في القرآن والصحف السماوية عما جرى على أنبيائه من الحوادث وما جرى على سائر الأمم من ألوان العذاب، كما أخبر عما جرى في التكوين من الخلق والتدبير، فهذه الحقائق الواردة في القرآن الكريم، حادثة بلا شك، لا قديمة.
وأما الثالث فلا شك أن ذاته وصفاته من العلم والقدرة والحياة وكل ما يرجع إليها كشهادته أنه لا إله إلا هو، قديم بلا إشكال وليس بمخلوق بالبداهة، ولكنه لا يختص بالقرآن بل كل ما يتكلم به البشر ويشير به إلى هذه الحقائق، فمعانيه المشار إليها بالألفاظ والأصوات قديمة، وفي الوقت نفسه ما يشار به من الكلام والجمل حادث.
وأما الرابع أي علمه سبحانه بما جاء في هذه الكتب وما ليس فيها، فلا شك أنه قديم نفس ذاته. ولم يقل أحد من المتكلمين الإلهيين إلا من شذ من الكرامية بحدوث علمه.
وأما الخامس أعني كونه سبحانه متكلما بكلام قديم أزلي نفساني ليس بحروف الأصوات مغاير للعلم والإرادة، فقد عرفت أن ما أسماه الشيخ الأشعري بكلام نفسي لا يخرج عن إطار العلم والإرادة ولا شك أن علمه وإرادته البسيطة قديمان.
وأما السادس. وهو أن الهدف من نفي كونه غير مخلوق، كون القرآن