وقد نقل عن إمام الحنابلة أنه قيل له: ها هنا قوم يقولون القرآن لا مخلوق ولا غير مخلوق. فقال: هؤلاء أضر من الجهمية على الناس، ويلكم فإن لم تقولوا: ليس بمخلوق فقولوا مخلوق. فقال أحمد هؤلاء قوم سوء. فقيل له: ما تقول؟ قال: الذي أعتقد وأذهب إليه ولا شك فيه أن القرآن غير مخلوق. ثم قال: سبحان الله، ومن شك في هذا؟ (1).
هذا ما لدى المحدثين والحنابلة والأشاعرة. وأما المعتزلة فيقول القاضي عبد الجبار: " أما مذهبنا في ذلك إن القرآن كلام الله تعالى ووحيه وهو مخلوق محدث أنزله الله على نبيه ليكون علما ودالا على نبوته، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام، واستوجب منا بذلك الحمد والشكر، وإذا هو الذي نسمعه اليوم ونتلوه وإن لم يكن (ما نقرؤه) محدثا من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة كما يضاف ما ننشره اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة، وإن لم يكن (امروء القيس) محدثا لها الآن " (2).
وقبل الخوض في تحليل المسألة نقدم أمورا:
1 - إذا كانت مسألة خلق القرآن أو قدمه بمثابة أوجدت طائفتين يكفر كل منهما عقيدة الآخر، فإمام الحنابلة يقول: إن من زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، والمعتزلة تقول: إن القول بكون القرآن غير مخلوق أو قديم شرك بالله سبحانه، فيجب تحليلها على ضوء العقل والكتاب والسنة باجتناب كل هياج ولغط. ومما لا شك فيه أن المسألة كانت قد طرحت في أجواء خاصة عز فيها التفاهم وساد عليها التناكر. وإلا فلا معنى للافتراق في أمر تزعم إحدى الطائفتين أنه ملاك الكفر وأن التوحيد في خلافه، وتزعم الطائفة الأخرى عكس ذلك.
ولو كانت مسألة خلق القرآن بهذه المثابة لكان على الوحي التصريح