فعل الغير من أفعال الآمر الاختيارية، فلا محيص من القول بأن إرادة الآمر متعلقة بفعل نفسه وهو الأمر والنهي، وإن شئت قلت إنشاء البعث إلى الفعل أو الزجر عنه، وكلاهما واقع في إطار اختيار الآمر ويعدان من أفعاله الاختيارية.
نعم، الغاية من البعث والزجر هو انبعاث المأمور إلى ما بعث إليه، أو انتهاؤه عما زجر عنه لعلم المكلف بأن في التخلف مضاعفات دنيوية أو أخروية.
وعلى ذلك يكون تعلق إرادة الآمر في الأوامر الجدية والاختيارية على وزان وهو تعلق إرادته ببعث المأمور وزجره، لا فعل المأمور ولا انزجاره فإنه غاية للآمر لا مراد له. فالقائل خلط بين متعلق الإرادة، وما هو غاية الأمر والنهي.
وربما يبدو في الذهن أن يعترض على ما ذكرنا بأن الآمر إذا كان إنسانا لا تتعلق إرادته بفعل الغير لخروجه عن اختياره وأما الواجب سبحانه فهو آمر قاهر، إرادته نافذة في كل شئ، * (إن كل ما في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) * (1).
ولكن الإجابة عن هذا الاعتراض واضحة، فإن المقصود من الإرادة هنا هو الإرادة التشريعية لا الإرادة التكوينية القاهرة على العباد المخرجة لهم عن وصف الاختيار الجاعلة لهم كآلة بلا إرادة، فهي خارجة عن مورد البحث.
قال سبحانه: * (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا) * (2).
فهذه الآية تعرب عن عدم تعلق مشيئته سبحانه بإيمان من في الأرض، ولكن من جانب آخر تعلقت مشيئته بإيمان كل مكلف واع. قال سبحانه: * (والله