وهذا ما أنكره الله على المشركين " (1).
يلاحظ عليه: إن من يقول بأن القرآن مخلوق لا يريد إلا كونه مخلوقا لله سبحانه. فالله سبحانه خلقه وأوحى به إلى النبي ونزله عليه منجما على مدى ثلاث وعشرين سنة وجعله فوق قدرة البشر فلن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
نعم، كون القرآن مخلوقا لله سبحانه لا ينافي أن يكون ما يقرؤه الإنسان مخلوقا له لبداهة أن الحروف والأصوات التي ينطق بها الناس مخلوقة لهم وهذا كمعلقة امرئ القيس وغيرها، فأصلها مخلوق لنفس الشاعر، ولكن المقروء مثال له، ومخلوق للقارئ.
والعجب أن الأشعري ومن قبله ومن بعده لم ينقحوا موضع النزاع فزعموا أنه إذا قيل " القرآن مخلوق " فإنما يراد منه كون القرآن مصنوعا للبشر، مع أن الضرورة قاضية بخلافه، فكيف يمكن لمسلم يعتنق القرآن ويقرأ قول البارئ سبحانه فيه: * (نزل عليك الكتاب بالحق) * (2) أن يتفوه بأن القرآن مخلوق للبشر. بل المسلمون جميعا يقولون في القرآن نفس ما قاله سبحانه في حقه. غير أن المقروء على ألسنتهم مخلوق لأنفسهم، فيكون مثال ما نزله سبحانه مخلوقا للإنسان، وكون المثال مخلوقا لهم ليس دليلا على أن الممثل مخلوقا لهم. والناس بأجمعهم عاجزون عن إيجاد مثل القرآن ولكنهم قادرون على إيجاد مثاله. فلاحظ وتدبر.
وبذلك تقف على أن أكثر ما استدل به الأشعري في كتاب " الإبانة " غير تام من جهة الدلالة، ولا نطيل المقام بإيراده ونقده. وفيما ذكرنا كفاية.
بقي هنا نكتة ننبه عليها وهي: إن المعروف من إمام الحنابلة أنه ما كان يرى الخوض في المسائل التي لم يخض فيها السلف الصالح لأنه ما كان