قلنا: لا يشترط في تعيين العرف العام الكثير بحسب الصلاة اعتقادهم بوجوبها، وعلمهم بشرائطها، بل يكفي أن يعرض أجزاء الصلاة عليهم، ونسبة الفعل إليها، فما يحكمون بكثرته بحسبها يكون كثيرا.
ومن هذا ظهرت صحة الحوالة في تحديدها إلى العرف والعادة. ولكن قد عرفت أنها إنما تتم لو ثبت الاجماع على هذا المصداق وهو غير معلوم، لخلو كلام أكثر القدماء عن هذا العنوان. مع أنه لو فرض وجوده في جميع الكلمات لا يفيد الاجماع على العنوان، لجواز أن يكون التعبير بالعنوان باعتبار معتقدهم، وكان المبطل عند كل طائفة نوعا من الفعل اعتقده كثيرا فعبر به.
ومن هذا يظهر بطلان ما قيل - بعد رد الحوالة على العادة بالوجهين - من لزوم الاقتصار على مورد الاجماع على كونه كثيرا: فإنه لو ثبت الاجماع على البطلان بما يصدق عليه الكثير، فما الضرر في الحوالة على العرف؟ وإن لم يثبت فما الفائدة في الاجماع على كون فعل كثيرا؟ وإذ عرفت عدم الثبوت فلا يفيد شئ منهما.
نعم لما ثبت الاجماع على البطلان ببعض الأفعال الكثيرة، فالصواب الإناطة بالاجماع على البطلان، فكل فعل ثبت الاجماع على البطلان به يحكم بالبطلان، بحكم فيما عداه بمقتضى الأصل.
ومن هذا يظهر حال التحديد الثالث أيضا، ولكن لا يبعد اتحاد مقتضى الاجماعين، فإن كل ما كان كثيرا إجماعا يبطل إجماعا وبالعكس، فتأمل.
وأما التحديد الثاني - وهو جعل الكثير ما يخرج به عن كونه مصليا - فصحته موقوفة على ثبوت التلازم بين الوصفين، وهو ممنوع جدا.
مضافا إلى ما في هذا الوصف أيضا من الاجمال الموجب للاقتصار على موضع الاجماع، وذلك لأنك قد عرفت أن المراد ليس ما يخرج به عن الصلاة حين الاشتغال به، إذ لا ملازمة بين هذا الخروج وبين بطلان الصلاة، كما في الغسل الترتيبي، فإنه يخرج الغاسل عن كونه غاسلا ببعض الأفعال المتخللة بين أجزائه، مع أنه يصح الغسل.
بل المراد ما يخرج به عن كونه مصليا مطلقا، حتى لو أتى بتمام الأجزاء أيضا