بين اللفظ والمعنى.
ولم تبق الملازمة رهينة وحبيسة في عالم الاعتبار، إذ نشأ منها واقع له ثبوت حقيقي. فاختلف الوضع بهذا عن غيره من الأمور الاعتبارية، إذ المعتبر فيها لا يخرج عن عالم الاعتبار والجعل.
ثم إن هذا قد يكون مورد التساؤل، فإنه لو كان الناشئ من اعتبار الملازمة ملازمة حقيقية ذاتية مرجعها إلى عدم انفكاك تصور اللفظ عن تصور المعنى، لزم أن لا يختص في فهم معاني الألفاظ اهل اللغة الموضوع فيها تلك الألفاظ ومن يعلم الوضع، إذ الاختصاص خلف فرض الملازمة، ولا اشكال في وقوعه، بداهة عدم علم كل انسان بلغات العالم بأجمعها.
لذلك نبه عليه في كلامه، والتزم بتخصيص المجعول وتقييده بمورد العلم بالجعل، بمعنى: ان الجاعل يجعل الملازمة بين اللفظ والمعنى في صولة العلم بهذا الجعل، بنحو يكون العلم قيد المجعول لا قيد الجعل، كي يقال: بان اخذ العلم بالشئ في موضوع نفسه محال. وذلك - أعني اخذ العلم بالجعل قيدا للمجعول - أمر ممكن لا محذور فيه، كما يقرر في بحث التعبدي والتوصلي.
وعليه، فاختصاص تحقق الملازمة المزبورة بمن يعلم بالوضع والجعل، انما هو لتقييد المجعول به وقد عرفت أنه منشأ الملازمة الواقعية، فتقييده يستلزم تقييدها.
فدعوى المحقق العراقي تتلخص في ضمن أمور:
الأول: أن الوضع عبارة عن أمر اعتباري، وهو جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى.
الثاني: انه ينشأ من هذه الملازمة الاعتبارية ملازمة حقيقية، وبذلك يختلف الوضع عن غيره من الاعتباريات.
الثالث: ان المجعول مقيد بصورة العلم بالجعل.