تسليم كونه ممتنعا في حق البشر -، فلان الهام المتكلم الأول تحقق الوضع وان معنى هذا اللفظ هو هذا المعنى لا يجدي بمجرده في حصول التفاهم ما لم يعلم المخاطب بذلك، فيدور الامر بين أحد ثلاثة: اما ان يلهم المخاطب أيضا بذلك بلا ان يحتاج تفهيمه إلى تنبيه. أو يلهم المستعمل عملية الوضع فيضع. أو يلهم المستعمل فيخبر بتحقق الوضع.
والأول: باطل، إذ من البديهي ان المخاطب لا يتمكن من فهم معنى اللفظ بلا تنبيه سابق.
والثاني: خلف فرض كون الواضع هو الله تبارك وتعالى.
والثالث: ممنوع التحقق، إذ لم يعهد من المستعمل الأول الاخبار بالوضع منه تعالى.
وهذا مضافا إلى أن ما ذكره خلاف الضرورة في مثل وضع الاعلام، إذ من البديهي ان وضعها من قبل البشر، وانه لا يعبر عن الذات بأي لفظ قبل وضع شخص لفظا لها.
ثم إنه (قدس سره) بعد أن قرر كون الواضع هو الله تعالى، أفاد بان قضية الحكمة البالغة كون وضع اللفظ الخاص للمعنى الخاص، انما هو لمناسبة ذاتية بينهما، وغاية ما يقرب به ذلك: بأنه مع عدم المناسبة لم يكن وجه لوضع خصوص هذا اللفظ دون غيره فوضعه ترجيح بلا مرجح وهو محال.
وأورد عليه: بان المحال هو الترجح بدون المرجح كوجود المعلول بدون العلة، لا الترجيح بدون المرجح لامكان تساوي الافراد في تحصيل غرض واحد مطلوب، كتساوي الرغيفين من الخبز في الاشباع، فيؤتى بأحدها تخييرا لحكم العقل بالتخيير حينئذ والا لزم فوات هذا الغرض، إذ مقتضى محالية الترجيح بلا مرجح فواته مع تساوي الدخيل فيه من جميع الجهات، بل عدم امكان الاتيان بواحد مما له دخل فيه - كما هو مقتضى المحالية -، مع أنه خلاف الوجدان