أو فقل إنها عبارة عن اقتران اللفظ بالمعنى بغرض الدلالة عليه، ولا مانع من حصول الوضع بمعنى الاختصاص والارتباط بين صورة اللفظ وصورة المعنى في الذهن بالاستعمال كما أو كيفا.
وكل هذه البحوث قد تقدمت بشكل موسع في ضمن الأبحاث السالفة.
وأما على الثانية فعلى تقدير تسليم أن عملية الوضع متحدة مع عملية الاستعمال، فمع ذلك لا مانع من أن يقصد المستعمل عملية الوضع بالاستعمال، ولا يلزم منه محذور الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في شئ، لا من جهة ما ذكره السيد الأستاذ قدس سره من أن حقيقة الاستعمال هي جعل اللفظ علامة على المعنى لا فانيا فيه، وذلك لما ذكرناه في محله من أن هذا التفسير للاستعمال غير صحيح، لأن اللفظ بما أنه وسيلة وأداة لتفهيم المعاني، فلا محالة يكون النظر إليه نظر وسيلة وأداة لا علامة، ولكن في نفس الوقت لا مانع من أن يكون موردا للالتفات والتوجه بتمام خصوصياته، فكونه آلة ووسيلة لا يلازم كونه مغفولا عنه.
وبكلمة، إن عملية الوضع إن كانت بصيغتها المألوفة الصريحة، فهي تتطلب لحاظ اللفظ كالمعنى مستقلا وفي نفسه لا بعنوان الوسيلة، وأما إذا كانت بصيغة الاستعمال، فبإمكان المستعمل أن يقصد وضع اللفظ الملحوظ في هذه العملية أداة ووسيلة للمعنى المستعمل فيه ولا يتوقف على لحاظه مستقلا، إذ ليس معنى لحاظه أداة ووسيلة أنه مغفول عنه ولا يكون موردا للالتفات أصلا، بل معناه أنه مورد الالتفات أداة ووسيلة للمعنى، وهذا يعني أنه أداة ووسيلة وفي نفس الوقت مورد للالتفات والتوجه، ولا تنافي بين الأمرين أصلا، فان التنافي إنما هو بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في شئ، لا بين كونه أداة ووسيلة بالذات وكونه