الثالثة: أن تلك المعاني إذا كانت ثابتة قبل الاسلام بألفاظ أخرى واستعمال الألفاظ العربية فيها إنما كان بعد الاسلام في نصوص الكتاب والسنة، فإثبات الحقيقة الشرعية في هذا الفرض بالوضع التعييني الصريح أو بالاستعمال من قبل الشارع لا يمكن كما مر.
وأما الثاني وهو الوضع التعيني المستند إلى العامل الكمي ككثرة الاستعمال، فلا موضوع له بناء على ما استظهرناه من أن هذه الألفاظ حقائق لغوية لا شرعية، نعم لو كانت تلك المعاني مخترعة من قبل الشارع أو أن تلك الألفاظ مستعملة فيها في الكتاب والسنة بعد الاسلام فلا ربى في ثبوته، إذ لا شبهة في كثرة استعمال هذه الألفاظ في تلك المعاني في مختلف الموارد والمناسبات بنحو تؤدي إلى الوضع.
وقد استشكل في تحقق الوضع التعيني بالاستعمال صغرى وكبرى.
أما الصغرى فلأن استعمال هذه الألفاظ في المعاني المذكورة في لسان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ من الكثرة بدرجة تؤدي إلى الوضع، نعم استعمالها فيها في لسانه صلى الله عليه وآله وسلم ولسان تابعيه وإن بلغ من الكثرة درجة تؤدي إلى الوضع التعيني، أي الاستجابة الذهنية الشرطية إلا أنه ليس بحقيقة شرعية بل هو حقيقة متشرعية.
والجواب: أن الغرض من ثبوت الحقيقة الشرعية هو حمل الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة على معانيها الشرعية بدلا عن حملها على معانيها اللغوية، وهذا الحمل يتوقف على ثبوت العلقة الوضعية بين هذه المعاني والألفاظ المذكورة في عصر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يكن ثبوتها مستندا إلى خصوص استعماله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الألفاظ لأن الأثر المطلوب من ثبوت الحقيقة الشرعية هو