وقد استشكل على ذلك بوجهين:
أحدهما: أن ملاك شخصية الوضع في المواد إن كان امتيازها عن مادة أخرى ذاتا وحقيقة وبجوهر حروفها، فهذا الملاك موجود بعينه في الهيئة، لأن كل هيئة تمتاز عن هيئة أخرى ذاتا وحقيقة وبوحدتها الطبيعية وهويتها الشخصية، فإن هيئة (فاعل) تمتاز عن هيئة (مفعول) كذلك وهكذا، فإذن ما هو الموجب لكون وضع المواد شخصيا ووضع الهيئات نوعيا، وإن كان ملاك نوعية وضع الهيئات عدم اختصاص الهيئة بمادة دون أخرى، فهذا الملاك بعينه موجود في المواد أيضا، فإن المادة لا تختص بهيئة دون أخرى، لأن مادة (ض ر ب) لا تختص بهيئة (ضارب)، بل تعم سائر الهيئات ومشتقاتها أيضا، فإذن ما هو السبب لكون وضع الهيئات نوعيا والمواد شخصيا؟
وقد أجاب عنه المحقق الأصفهاني قدس سره، وتقريب ذلك مع التوضيح أن المادة بوحدتها الذاتية وهويتها الشخصية وجوهر حروفها جامعة ذاتية بين أفرادها، لأن جميع أفرادها تشترك في المقومات الذاتية لها، وهي جوهر حروفها وامتيازها الذاتي والماهوي عن غيرها، والواضع في مقام عملية الوضع قد استحضر المادة بجوهر حروفها وبوحدتها وهويتها الشخصية المميزة في الذهن ثم وضعها بإزاء معنى، فيكون الموضوع شخص اللفظ الملحوظ والمستحضر فيه مباشرة لا نوعه، وهذا هو معنى الوضع الشخصي.
وأما الهيئة فحيث إنها مندكة في المادة ومندمجة فيها غاية الإندماج، فلا استقلال لها في الوجود اللحاظي كما في الوجود الخارجي كالمعنى الحرفي، فلا يمكن انفكاكها عنها وتجريدها ولو في الذهن، لأن كل هيئة متقومة ذاتا وحقيقة بشخص مادتها، فلذلك تكون مباينة للأخرى، من جهة أن المقومات الذاتية