بأحد هذين الأمرين، فكلمة (هذا) أو (ذاك) لا تدل على معناها وهو المفرد المذكر إلا بمعونة الإشارة الخارجية، كالإشارة باليد كما هي الغالب أو بالرأس أو بالعين، وضمير الخطاب لا يبرز معناه إلا مقترنا بالخطاب الخارجي، ومن هنا لا يفهم شئ من كلمة (هذا) عند إطلاقها مجردة عن الاقتران بأية إشارة خارجية (1). هذا، وللنظر فيه مجال، وذلك لأنه مبني على مسلك التعهد الذي هو مختاره قدس سره في مسألة الوضع، إذ على أساس هذا المسلك لا بد من الالتزام بأن أسماء الإشارة والضمائر موضوعة للدلالة على قصد تفهيم معانيها خارجا عند الإشارة والتخاطب، باعتبار أن دلالة الألفاظ على معانيها في ضوء هذا المسلك دلالة تصديقية لا تصورية، ولكن قد ذكرنا هناك أن مسلك التعهد في باب الوضع غير تام، ومن هنا قلنا إن الدلالة الوضعية دلالة تصورية بحتة على تفصيل تقدم هناك.
والتحقيق في المقام أن يقال: إن أسماء الإشارة موضوعة بإزاء واقع الإشارة التي هي إشارة بالحمل الشائع، ومن الواضح أن واقع الإشارة يمثل النسبة بين المشير والمشار إليه، وتدل عليها بالدلالة الوضعية التصورية التي هي محفوظة حتى عند التكلم بها بدون قصد وشعور، وينتقل الذهن من سماعها إلى تصور معناها، وهو الإشارة الفانية في واقعها وهو النسبة بين المشير والمشار إليه في وعاء الإشارة.
وإن شئت قلت: إن كلمة (هذا) أو (ذاك) موضوعة للدلالة على الإشارة الواقعية وهي النسبة بين المشير والمشار إليه، ولم توضع بإزاء مفهوم الإشارة التي