ولنا نظر في كلتا التعليقتين:
أما على الأولى فلأن الوضع يختلف باختلاف المباني، فإنه على أساس نظرية الاعتبار فلا يمكن إيجاده بالاستعمال، لأن حقيقة الوضع وإن كانت اعتبارية إلا أنها ليست بإنشائية يتسبب إلى إنشائها في الخارج باللفظ أو نحوه كما هو الحال في المعاملات العقلائية والشرعية التي يتسبب بها إلى إنشاء مسبباتها، بل هو أمر اعتباري قائم بنفس المعتبر بالمباشرة ولا واقع موضوعي له ما عدا اعتبار المعتبر إياه في عالم الاعتبار والذهن، ولا صلة للفظ به أو نحوه ما عدا كونه مبرزا له، فإن الواضع في مقام عملية الوضع اعتبر العلاقة بين اللفظ والمعنى مباشرة ولا يعقل التسبيب فيها، لأن العملية ليست عملية تسبيبية بحاجة إلى سبب.
فالنتيجة أن حقيقة الوضع على ضوء هذه النظرية بما أنه أمر اعتباري، فهي فعل المعتبر مباشرة ولا تربط بالاستعمال الذي هو عملية خارجية.
وأما على القول بأن حقيقة الوضع التعهد والتباني النفساني فأيضا لا يمكن إيجاده بالاستعمال، لأن الوضع على ضوء هذه النظرية أمر تكويني وجداني وفعل قصدي للمتعهد في أفق النفس مباشرة، كان هناك لفظ يتلفظ به أم لا، ولا يكون فعلا تسبيبا.
وأما على القول بأن حقيقة الوضع هي اختصاص اللفظ بالمعنى كما هو ظاهر المحقق الخراساني قدس سره، فإن أريد بالاختصاص العلاقة والارتباط التكويني بين اللفظ والمعنى في الذهن، وحينئذ فإن كان منشؤه الاعتبار، فقد مر أنه لا يتوقف على الاستعمال، وإن كان منشؤه التخصيص والتعيين الخارجي، فلا مانع من تحققه بالاستعمال، على أساس أن حقيقة الاستعمال هي تخصيص اللفظ بالمعنى،