قد يدعي أن كلمة (في) في المثال أو ما شاكله لم توضع لنسبة الظرفية، والموضوع بإزائها إنما هو هيئة الجملة القائمة بعناصرها الثلاثة، فإنها تدل عليها دون كلمة (في).
ولكن هذه الدعوى فاسدة، إذ لا شبهة في أن كلمة (في) دخيلة في تكوين هذه الجملة لفظا ومعنا، ومن المعلوم أن معنى دخلها في تكوينها دلالتها على نسبة الظرفية التي تتكون الجملة بها، وعلى هذا فكلمة (في) لا تخلو من أن تدل على النسبة المذكورة أو لا تدل، فعلى الأول لا معنى لوضع الهيئة بإزائها، لأنه لغو محض، وعلى الثاني فهو خلاف الضرورة والوجدان، حيث إن دخلها في تكوين الجملة لفظا ومعنى أمر وجداني، ومن هنا تختلف الجمل التي لا تتوقف تكوينها على الحرف عن الجمل التي يتوقف تكوينها عليه.
هذا إضافة إلى أن لازم ذلك أنه ليس لكلمة (في) مدلول في الجملة، وهذا كما ترى.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، وهي أن وضع الحروف كوضع الأسماء شخصي لا نوعي.
نتيجة البحث أمور:
الأول: أن الضابط في الوضع الشخصي هو استحضار شخص اللفظ الموضوع بحده الشخصي في الذهن ثم وضعه بإزاء معنى مناسب له، فيكون الموضوع شخص اللفظ المستحضر في الذهن والمتصور فيه بنفسه لا بنوعه.
والضابط في الوضع النوعي هو استحضار الجامع العنواني الانتزاعي مشيرا به إلى كل ما يكون هذا الجامع عنوانا له، فيوضع كل ما هو المستحضر في الذهن