الثانية: أنه لا سببية ولا مسببية في باب المعاملات.
أما النقطة الأولى، فيرد عليها أن تفسير الانشاء بذلك مبني على مسلكه قدس سره في باب الوضع من أنه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني، باعتبار أن لازم هذا المسلك هو كون الدلالة الوضعية دلالة تصديقية لا تصورية، وعليه فلا بد من الالتزام بأن المعاملات موضوعة للدلالة على قصد إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج بمبرز ما حتى تكون دلالتها الوضعية دلالة تصديقية، ولكن حيث إنا قد ذكرنا في باب الوضع عدم صحة هذا المسلك موسعا وقلنا هناك بأن الدلالة الوضعية دلالة تصورية لا تصديقية، فمن أجل ذلك لا يمكن تفسير المعاملات بذلك، وقد تقدم في ضمن البحوث السالفة تفسير الانشاء فيها بما ينسجم مع كون الدلالة الوضعية لها دلالة تصورية.
وأما النقطة الثانية، فلأنه لا مانع من أن يراد من المسبب في المعاملة الأثر العقلائي أو الشرعي المترتب عليها ترتب الأثر على المؤثر والمسبب على السبب، باعتبار أنه الأثر المطلوب من إيجاد المعاملة في الخارج بما لها من المعنى الانشائي التسبيبي.
وبكلمة، إن جعل هذا الأثر بنحو القضية الحقيقية وإن كان بفعل الشارع أو العقلاء في مرحلة الجعل والاعتبار، ولكن فعلية هذا الأثر إنما هي بيد المتعاملين، فإنهما إذا قاما بإيجاد السبب وهو المعاملة بما لها من الشروط، ترتب عليه ذلك الأثر، ومن الواضح أن هذا الترتب إنما هو مستند إلى فعل المتعاملين من باب ترتب الأثر على المؤثر والمسبب على السبب، وقد تحصل من ذلك أن فعلية الأثر الشرعي أو العقلائي هي المسبب في باب المعاملات، وأما الصيغة بما لها من المعنى الانشائي فهي سبب لها، غاية الأمر أن العلاقة بين السبب والمسبب تارة تكون