ذاتية بينهما كالعلاقة بين النار والحرارة، وأخرى تكون جعلية كما في المقام، فالجامع بين المقامين هو استحالة انفكاك أحدهما عن الآخر خارجا إما بالذات أو بالجعل، والظاهر أن هذا هو مراد المشهور من المسبب في باب المعاملات.
ولكن قد يستشكل في ذلك بأن السببية بهذا المعنى لا تختص بالمعاملات، لأن كونها سببا لفعلية الأثر ليس إلا بلحاظ أنها موضوع له، على أساس أن فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه خارجا واستحالة انفكاكها عنها، ولا فرق في ذلك بين الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية، فكما أن فعلية الأحكام الوضعية تتبع فعلية موضوعاتها في الخارج فكذلك فعلية الأحكام التكليفية، فإنها تتبع فعلية موضوعاتها فيه، وعلى هذا فإطلاق الأسباب على موضوعات الأحكام الوضعية دون موضوعات الأحكام التكليفية ليس إلا مجرد اصطلاح بلا أي نكتة مبررة لذلك. هذا، ولكن الظاهر أن هذا الفرق مبني على نكتة، وهي أن موضوعات الأحكام الوضعية تختلف عن موضوعات الأحكام التكليفية في نقطة، وهي أن موضوعات الأحكام الوضعية التي هي متمثلة في المعاملات أمور إنشائية قصدية، مثلا جملة (بعت) الانشائية تدل على قصد إيجاد معناها في وعاء التصور والتصديق، والغرض منه الوصول إلى أثره الشرعي أو العقلائي المترتب عليه ترتب المسبب على السبب، فالصيغة بما لها من المعنى الانشائي سبب، لأن المتعامل في مقام المعاملة يقصد بها التسبيب ولو ارتكازا إلى ترتب الأثر الشرعي عليها. وعلى الجملة فتسمية المعاملات بالأسباب في الأحكام الوضعية مع أنها موضوعات لها في الحقيقة، فإنما هي من جهة أنها أمور إنشائية تسبيبية، ولا يمكن تحققها بدون قصد التسبيب بها ولو في أعماق نفسه