وأنشد سيبويه: * قيام ليلى وتجلى همي * وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر برفع " مكر " منونا، ونصب الليل والنهار، والتقدير: بل مكر كائن في الليل والنهار. وقرأ سعيد بن جبير وأبو رزين بفتح الكاف وتشديد الراء مضافا بمعنى الكرور، من كر يكر إذا جاء وذهب، وارتفاع مكر على هذه القراءات على أنه مبتدأ وخبره محذوف: أي مكر الليل والنهار صدنا، أو على أنه فاعل لفعل محذوف: أي صدنا مكر الليل والنهار، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كما تقدم عن الأخفش. وقرأ طلحة بن راشد كما قرأ سعيد بن جبير، ولكنه نصب مكر على المصدرية: أي بل تكررن الإغواء مكرا دائما لا تفترون عنه، وانتصاب (إذ تأمروننا) على أنه ظرف للمكر:
أي بل مكركم بنا وقت أمركم لنا (أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) أي أشباها وأمثالا. قال المبرد يقال ند فلان فلان: أي مثله وأنشد:
أتيما تجعلون إلي ندا * وما تيم بذي حسب نديد والضمير في قوله (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) راجع إلى الفريقين: أي أضمر الفريقان الندامة على ما فعلوا من الكفر وأخفوها عن غيرهم، أو أخفاها كل منهم عن الآخر مخافة الشماتة. وقيل المراد بأسروا هنا أظهروا لأنه من الأضداد يكون، تارة بمعنى الإخفاء، وتارة بمعنى الإظهار، ومنه قول امرئ القيس:
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر * علي حراص لو يسرون مقتلي وقيل معنى أسروا الندامة: تبينت الندامة في أسرة وجوههم (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) الأغلال جمع غل، يقال في رقبته غل من حديد: أي جعلت الأغلال من الحديد في أعناق هؤلاء في النار، والمراد بالذين كفروا: هم المذكورون سابقا، والإظهار لمزيد الذم أو للكفار على العموم فيدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) أي إلا جزاء ما كانوا يعملونه من الشرك بالله، أو إلا بما كانوا يعملون على حذف الخافض.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في قوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) قال: إلى الناس جميعا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: أرسل الله محمدا إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله أطوعهم له. وأخرج هؤلاء عنه في قوله (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن) قال: هذا قول مشركي العرب كفروا بالقرآن وبالذي بين يديه من الكتب والأنبياء.