وعظ الله المؤمنين أن لا يؤذوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى. وقد وقع الخلاف فيما أوذي به نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلت هذه الآية، فحكى النقاش أن أذيتهم محمدا قولهم زيد بن محمد. وقال أبو وائل: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قسم قسما، فقال رجل من الأنصار: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وقيل نزلت في قصة زيد بن ثابت وزينب بنت جحش وما سمع فيها من قالة الناس، ومعنى (وكان عند الله وجيها) وكان عند الله عظيما ذا وجاهة، والوجيه عند الله العظيم القدر الرفيع المنزلة، وقيل في تفسير الوجاهة إنه كلمه تكليما. قرأ الجمهور " وكان عند الله " بالنون على الظرفية المجازية، وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حيوة عبد الله بالباء الموحدة من العبودية، وما في قوله (فبرأه الله مما قالوا) هي الموصولة أو المصدرية: أي من الذي قالوه، أو من قولهم (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أي في كل أمر من الأمور (وقولوا قولا سديدا) أي قولا صوابا وحقا. قال قتادة ومقاتل: يعني قولوا قولا سديدا في شأن زيد وزينب، ولا تنسبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مالا يحل. وقال عكرمة: إن القول السديد لا إله إلا الله. وقيل هو الذي يوافق ظاهره باطنه، وقيل هو ما أريد به وجه الله دون غيره، وقيل هو الإصلاح بين الناس. والسديد مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض، والظاهر من الآية أنه أمرهم بأن يقولوا قولا سديدا في جميع ما يأتونه ويذرونه فلا يخص ذلك نوعا دون نوع، وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي العموم فالمقام يفيد هذا المعنى، لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولا يخالف قول أهل الأذى. ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى والقول السديد من الأجر فقال (يصلح لكم أعمالكم) أي يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه (ويغفر لكم ذنوبكم) أي يجعلها مكفرة مغفورة (ومن يطع الله ورسوله) في فعل ما هو طاعة واجتناب ما هو معصية (فقد فاز فوزا عظيما) أي ظفر بالخير ظفرا عظيما، ونال خير الدنيا والآخرة، وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما سبقها. ثم لما فرغ سبحانه من بيان ما لأهل الطاعة من الخير بعد بيان ما لأهل المعصية من العذاب بين عظم شأن التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها فقال (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها منها).
واختلف في تفسير هذه الأمانة المذكورة هنا، فقال الواحدي: معنى الأمانة ههنا في قول جميع المفسرين الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب. قال القرطبي: والأمانة تعم جميع وصائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور.
وقد اختلف في تفاصيل بعضها، فقال ابن مسعود: هي في أمانة الأموال كالودائع وغيرها، وروي عنه أنها في كل الفرائض، وأشدها أمانة المال. وقال أبي بن كعب: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها. وقال أبو الدرداء: غسل الجنابة أمانة، وإن الله لم يأمن ابن آدم على شئ من دينه غيرها. وقال ابن عمر: أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال: هذه أمانة استودعكها فلا تلبسها إلا بحق، فإن حفظتها حفظتك. فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واللسان أمانة والبطن أمانة واليد أمانة والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له.
وقال السدي: هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده هابيل وخيانته إياه في قتله. وما أبعد هذا القول، وليت شعري ما هو الذي سوغ للسدي تفسير هذه الآية بهذا، فإن كان ذلك لدليل دله على ذلك فلا دليل، وليست هذه الآية حكاية عن الماضين من العباد حتى يكون له في ذلك متمسك أبعد من كل بعيد وأوهن من بيوت العنكبوت، وإن كان تفسير هذا عملا بما تقتضيه اللغة العربية، فليس في لغة العرب ما يقتضي هذا ويوجب حمل هذه الأمانة