(ما نفذت كلمات الله) أي كلماته التي هي عبارة عن معلوماته. قال أبو علي الفارسي: المراد بالكلمات والله أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود، ووافقه القفال فقال: المعنى أن الأشجار لو كانت أقلاما والبحار مدادا فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفذ تلك العجائب. قال القشيري: رد القفال معنى الكلمات إلى المقدورات، وحمل الآية على الكلام القديم أولى. قال النحاس: قد تبين أن الكمات هاهنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء، لأنه جل وعلا قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السماوات والأرض من شئ، وعلم ما فيه من مثاقيل الذر، وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو وما في الشجرة من ورقة وما فيها من ضروب الخلق. وقيل إن قريشا قالت: ما أكثر كلام محمد، فنزلت قاله السدي، وقيل إنها لما نزلت - وما أو تيتم من العلم إلا قليلا - في اليهود، قالوا كيف وقد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه، فنزلت. قال أبو عبيدة:
المراد بالبحر هنا الماء العذب الذي ينبت الأقلام، وأما الماء المالح فلا ينبت الأقلام. قلت: ما أسقط هذا الكلام وأقل جدواه (إن الله عزيز حكيم) أي غالب لا يعجزه شئ، ولا يخرج عن حكمته وعلمه فرد من أفراد مخلوقاته (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) أي إلا كخلق نفس واحدة وبعثها. قال النحاس: كذا قدره النحويون كخلق نفس مثل قوله - واسئل القرية -. قال الزجاج: أي قدرة الله على بعث الخلق كلهم وعلى خلقهم كقدرته على خلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة (إن الله سميع) لكل ما يسمع (بصير) بكل ما يبصر.
وقد أخرج البيهقي في الشعب عن عطاء قال: سألت ابن عباس عن قوله (وأسبغ عليكم) الآية، قال: هذه من كنوز علمي سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال " أما الظاهرة فما سوى من خلقك، وأما الباطنة فما ستر من عورتك، ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم ". وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب والديلمي وابن النجار عنه قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله (وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة) فقال:
أما الظاهرة فالإسلام وما سوى من خلقك وما أسبغ عليك من رزقه، وأما الباطنة فما ستر من مساوئ عملك ".
وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال: النعمة الظاهرة الإسلام، والنعمة الباطنة كل يستر عليكم من الذنوب والعيوب والحدود. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا أنه قال في تفسير الآية هي: لا إله إلا الله. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (ولو أن ما في الأرض) الآية " إن أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة: يا محمد أرأيت قولك - وما أو تيتم من العلم إلا قليلا - إيانا تريد أم قومك؟ فقال كلا، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شئ؟ فقال: إنها في علم الله قليل، وأنزل الله (ولو أن ما في الأرض ". وأخرجه ابن مردويه عنه بأطول منه. وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن مسعود نحوه.