أي أو حيث كانت من بقاع السماوات أو من بقاع الأرض (يأت بها الله) أي يحضرها ويحاسب فاعلها عليها (إن الله لطيف) لا تخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفى (خبير) بكل شئ لا يغيب عنه شئ. قرأ الجمهور " إن تك " بالفوقية على معنى إن تك الخطيئة أو المسألة أو الخصلة أو القصة. وقرأوا " مثقال " بالنصب على أنه خبر كان، واسمها هو أحد تلك المقدرات. وقرأ نافع برفع مثقال على أنه اسم كان وهي تامة، وأنث الفعل في هذه القراءة لإضافة مثقال إلى المؤنث. وقرأ الجمهور " فتكن " بضم الكاف، وقرأ الجحدري بكسرها وتشديد النون، من الكن الذي هو الشئ المغطى. قال السدي: هذه الصخرة هي صخرة ليست في السماوات ولا في الأرض. ثم حكى سبحانه عن لقمان أنه أمر ابنه بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصيبة. ووجه تخصيص هذه الطاعات أنها أمهات العبادات وعماد الخير كله. والإشارة بقوله (إن ذلك) إلى الطاعات المذكورة. وخبر إن قوله (من عزم الأمور) أي مما جعله الله عزيمة وأوجبه على عباده. وقيل المعنى:
من حق الأمور التي أمر الله بها، والعزم يجوز أن يكون بمعنى المعزوم: أي من معزومات الأمور أو بمعنى العازم كقوله - فإذا عزم الأمر - قال المبرد: إن العين تبدل جاء، فيقال عزم وحزم. قال ابن جرير: ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم أهل الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، وصوب هذا القرطبي (ولا تصاعر خدك للناس) قرأ الجمهور " تصعر " وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم " تصاعر " والمعنى متقارب، والصعر الميل، يقال صعر خده وصاعر خده: إذا أمال وجهه وأعرض تكبرا. والمعنى لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم، ومنه قول الشاعر:
وكنا إذا الجبار صعر خده * مشينا إليه بالسيوف نعاتبه ورواه ابن جرير هكذا:
وكنا إذا الجبار صعر خده * أقمنا له من ميله فتقوما قال الهروي (ولا تصاعر خدك للناس) أي لا تعرض عنهم تكبرا، يقال أصاب البعير صعر: إذا أصابه داء يلوي عنقه. وقيل المعنى: ولا تلو شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره. قال ابن خويز منداد: كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة، ولعله فهم من التصعير التذلل (ولا تمش في الأرض مرحا) أي خيلاء وفرحا، والمعنى النهي عن التكبر والتجبر، والمختال يمرح في مشيه، وهو مصدر في موضع الحال، وقد تقدم تحقيقه، وجمله (إن الله لا يحب كل مختال فخور) تعليل للنهي لأن الاختيال هو المرح، والفخور هو الذي يفتخر على الناس بماله من المال أو الشرف أو القوة أو غير ذلك، وليس منه التحدث بنعم الله، فإن الله يقول - وأما بنعمة ربك فحدث - (واقصد في مشيك) أي توسط فيه، والقصد ما بين الإسراع والبطء، يقال قصد فلان في مشيته: إذا مشى مستويا لا يدب دبيب المتماوتين ولا يثب وثوب الشياطين. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان إذا مشى أسرع، فلا بد أن يحمل القصد هنا على ما جاوز الحد في السرعة. وقال مقاتل: معناه لا تختل في مشيتك. وقال عطاء: امش بالوقار والسكينة، كقوله - يمشون على الأرض هونا - (واغضض من صوتك) أي انقص منه واخفضه ولا تتكلف رفعه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة يؤذي السامع، وجملة (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) تعليل للأمر بالغض من الصوت: أي أوحشها وأقبحها. قال قتادة: أقبح الأصوات صوت الحمير أوله زفير وآخره شهيق. قال المبرد: تأويله أن الجهر بالصوت ليس بمحمود وإنه