والمراد بتفرقهم ها هنا أن أهل الجنة يصيرون إلى الجنة، وأهل النار يصيرون إلى النار (من كفر فعليه كفره) أي جزاء كفره، وهو النار (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) أي يوطئون لأنفسهم منازل في الجنة بالعمل الصالح، والمهاد الفراش، وقد مهدت الفراش مهدا: إذا بسطته ووطأته، فجعل الأعمال الصالحة التي هي سبب لدخول الجنة كبناء المنازل في الجنة وفرشها. وقيل المعنى: فعلى أنفسهم يشفقون، من قولهم في المشفق:
أم فرشت فأنا مت، وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص. وقال مجاهد " فلأنفسهم يمهدون " في القبر، واللام في (ليجزي الذين آمنوا) متعلقة بيصدعون، أو يمهدون: أي يتفرقون ليجزي الله المؤمنين بما يستحقونه (من فضله) أو يمهدون لأنفسهم بالأعمال الصالحة ليجزيهم، وقيل يتعلق بمحذوف. قال ابن عطية:
تقديره ذلك ليجزي، وتكون الإشارة إلى ما تقدم من قوله: من عمل ومن كفر. وجعل أبو حيان قسيم قوله " الذين آمنوا وعملوا الصالحات " محذوفا لدلالة قوله (إنه لا يحب الكافرين) عليه لأنه كناية عن بغضه لهم الموجب لغضبه سبحانه، وغضبه يستتبع عقوبته (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) أي ومن دلالات بديع قدرته إرسال الرياح مبشرات بالمطر لأنها تتقدمه كما في قوله سبحانه - بشرا بين يدي رحمته - قرأ الجمهور " الرياح " وقرأ الأعمش " الريح " بالإفراد على قصد الجنس لأجل قوله " مبشرات " واللام في قوله (وليذيقكم من رحمته) متعلقة بيرسل: أي يرسل الرياح مبشرات ويرسلها ليذيقكم من رحمته: يعني الغيث والخصب، وقيل هو متعلق بمحذوف: أي وليذيقكم أرسلها، وقيل الواو مزيدة على رأي من يجوز ذلك، فتتعلق اللام بيرسل (ولتجري الفلك بأمره) معطوف على ليذيقكم من رحمته: أي يرسل الرياح لتجرى الفلك في البحر عند هبوبها، ولما أسند الجري إلى الفلك عقبه بقوله بأمره (ولتبتغوا من فضله) أي تبتغوا الرزق بالتجارة التي تحملها السفن (ولعلكم تشكرون) هذه النعم فتفردون الله بالعبادة وتستكثرون من الطاعة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وما آتيتم من ربا) الآية قال: الربا ربوان: ربا لا بأس به وربا لا يصلح. فأما الربا الذي لا بأس به فهدية الرجل إلى الرجل يريد فضلها وأضعافها. وأخرج البيهقي عنه قال:
هذا هو الربا الحلال أن يهدي يريد أكثر منه وليس له أجر ولا وزر، ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة فقال - ولا تمنن تستكثر -. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا (وما آتيتم من زكاة) قال:
هي الصدقة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) قال: البر البرية التي ليس عندها نهر، والبحر ما كان من المدائن والقرى على شط نهر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال: نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا. وأخرج ابن المنذر أيضا (لعلهم يرجعون) قال: من الذنوب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (يصدعون) قال: يتفرقون.