بحسن الصدق النفع وقبح الكذب الضار وغيرهما من الأمور البديهية، وإن كانت بعض الأحكام التكليفية كالعبادات مثلا لا يمكن استقلال العقل بالحكم فيها بالحسن أو القبح إلا عن طريق الشرع، فما ورد الشرع بحسنه أو قبحه أمر لا مجال للعقل في تحسينه أ تقبيحه، فمرتبة العقل بعد مرتبة الشرع بلا جدال.
" فأجمعت الإمامية على أن العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع (أي المسموع من الشرع) وأنه غير منفك عن سمع ينبه الغافل على كيفية الاستدلال، وأنه لا بد في أول التكليف وابتدائه في العالم من رسول " وإن من قرية إلا خلا فيها نذير " " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "، وخالفهم في جميع ذلك المعتزلة والخوارج والزيدية، وزعموا أن العقول تعمل بمجردها من السمع والتوقيف.
إلا أن البغداديين من المعتزلة خاصة يوجبون الرسالة في أول التكليف ويخالفون الإمامية في علتهم لذلك " (١).
وذهبوا إلى أن الإنسان المكلف محاسب على أعماله المكلف بها على قدر اختياره لها وقدرته عليها " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت "، " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ".
واتفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه على الكفار خاصة، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة.
كما اتفقوا على أن من عذب بذنبه من هؤلاء لا يخلد في العذاب، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وهو التخليد في العذاب، وهو ما يعرف عندهم - أي المعتزلة - ب " الوعيد ".
واتفقت الإمامية على أن مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه مسلم وإن كان فاسقا بما فعله من الكبائر والآثام، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك، وزعموا أن مرتكب الكبائر ممن ذكرناه فاسق ليس بمؤمن ولا كافر وهذا القول يعرف عندهم ب " المنزلة بين المنزلتين " التي ميزت المعتزلة في أول أمرهم عن سائر فرق الإسلام، وأول من قال بهذه المقالة منهم هو واصل بن عطاء الغزال.
ويذهب الإمامية في الإمامة - بأجمعهم - إلى أنها بالنص الجلي على الأئمة الاثني