أنها لما خيرت فاختارت نفسها كان زوجها يبكي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة الحديث وسيأتي ويمكن الجواب بأن تكون بريرة كانت تخدم عائشة وهي في رق مواليها وأما قصتها معا في مكاتبتها وغير ذلك فكان بعد ذلك بمدة أو أن اسم هذه الجارية المذكورة في قصة الإفك وافق اسم بريرة التي وقع لها التخيير وجزم البدر الزركشي فيما استدركته عائشة على الصحابة أن تسمية هذه الجارية ببريرة مدرجة من بعض الرواة وأنها جارية أخرى وأخذه من ابن القيم الحنبلي فإنه قال تسميتها ببريرة وهم من بعض الرواة فإن عائشة إنما اشترت بريرة بعد الفتح ولما كاتبتها عقب شرائها وعتقت خيرت فاختارت نفسها فظن الراوي أن قول علي وسل الجارية تصدقك أنها بريرة فغلط قال وهذا نوع غامض لا ينتبه له الا الحذاق (قلت) وقد أجاب غيره بأنها كانت تخدم عائشة بالاجرة وهي في رق مواليها قبل وقوع قصتها في المكاتبة وهذا أولى من دعوى الادراج وتغليط الحفاظ (قوله أي بريرة هل رأيت من شئ يريبك) في رواية هشام بن عروة فانتهرها بعض أصحابه فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي أويس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي شأنك بالجارية فسألها على وتوعدها فلم تخبره إلا بخير ثم ضربها وسألها فقالت والله ما علمت على عائشة سواء وفي رواية ابن إسحاق فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا يقول أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية هشام حتى أسقطوا لها به يقال أسقط الرجل في القول إذا أتى بكلام ساقط والضمير في قوله به للحديث أو للرجل الذي اتهموها به وحكى عياض أن في رواية ابن ماهان في مسلم حتى أسقطوا لهاتها بمثناة مفتوحة وزيادة ألف بعد الهاء قال وهو تصحيف لانهم لو أسقطوا لهاتها لم تستطع الكلام والواقع أنها تكلمت فقالت سبحان الله إلى آخره وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عند الطبرائي فقال لست عن هذا أسألك قالت نعمة فلما فطنت قالت سبحان الله وهذا يدل على أن المراد بقوله في الرواية حتى أسقطوا لها به حتى صرحوا لها بالامر فلهذا تعجبت وقال ابن الجوزي أسقطوا لها به أي صرحوا بها بالامر وقيل جاءوا في خطابها بسقط من القول ووقع في رواية الطبري من طريق أبي أسامة قال عروة فعيب ذلك على من قاله وقال ابن بطال يحتمل أن يكون من قولهم سقط إلى الخبر إذا علمته قال الشاعر * إذا هن ساقطن الحديث وقلن لي * قال فمعناه ذكروا لها الحديث وشرحوه (قوله إن رأيت عليها أمرا) أي ما رأيت فيها مما تسألون عنه شيئا أصلا وأما من غيره ففيها ما ذكرت من غلبة النوم لصغر سنها ورطوبة بدنها (قوله أغمصه) بغين معجمة وصاد مهملة أي أعيبه (قوله سوى أنها جارية حديثه السن تنام عن عجين أهلها) في رواية ابن إسحاق ما كنت أعيب عليها إلا أني كنت أعجن عجيني وآمرها أن تحفظه فتنام عنه وفي رواية مقسم ما رأيت منها مذ كنت عندها إلا أني عجنت عجينا لي فقلت احفظي هذه العجينة حتى أقتبس نارا إلا خبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها وهو يفسر المراد بقوله في رواية الباب حتى تأتي الداجن وهي بدال مهملة ثم جيم الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى وقيل هي كل ما يألف البيوت مطلقا شاة أو طيرا قال بن المنير في الحاشية هذا من الاستثناء البديع الذي يراد به المبالغة في نفي العيب فغفلتها عن عجينها أبعد لها من مثل الذي رميت به وأقرب إلى أن تكون من الغافلات المؤمنات وكذا في قولها في رواية هشام بن عروة ما علمت إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر
(٣٥٨)