عدلت عن قولها في فراقي إلى قولها فراق أهله لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها (قوله أهلك) بالرفع فإن في رواية معمر هم أهلك ولو لم تقع هذه الرواية لجاز النصب أي أمسك ومعناه هم أهلك أي العفيفة اللائقة بك ويحتمل أيكون قال ذلك متبرئا من المشورة ووكل الامر إلى رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يكتف بذلك حتى أخبر بما عنده فقال ولا نعلم إلا خيرا وإطلاق الأهل على الزوجة شائع قال ابن التين أطلق عليها أهلا وذكرها بصيغة الجمع حيث قال هم أهلك إشارة إلى تعميم الأزواج بالوصف المذكور انتهى ويحتمل أن يكون جمع لإرادة تعظيمها (قوله وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) كذا للجميع بصيغة التذكير كأنه أراد الجنس مع أن لفظ فعيل يشترك فيه المذكر والمؤنث افرادا وجمعا وفي رواية الواقدي قد أحل لك وأطاب طلقها وأنكح غيرها وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه ترجيح جانبا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق بسبب القول الذي قيل وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما وقال النووي رأى على أن ذلك هو المصلحة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه فبذل جهده في النصيحة لإرادة راحة خاطره صلى الله عليه سلم وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لم يجزم علي بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله وسل الجارية تصدقك ففوض الامر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال إن أردت تعجيل الراحة ففارقها وأن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الامر إلى أن تطلع على براءتها لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة والعلة في اختصاص على أسامة بالمشاورة أن عليا كان عنده كالولد لأنه رباه من حال صغره ثم لم يفارقه بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة فلذلك كان مخصوصا بالمشاورة فيما يتعلق بأهله لمزيد اطلاعه على أحواله أكثر من غيره وكان أهل مشورته فيما يتعلق بالأمور العامة أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وأما أسامة فهو كعلي في طول الملازمة ومزيد الاختصاص والمحبة ولذلك كانوا يطلقون عليه أنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصه دون أبيه وأمه لكونه كان شابا كعلي وأن كان على أسن منه وذلك أن للشاب من صفاء الذهن ما ليس لغيره ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المسن لان المسن غالبا يحسب العاقبة فربما أخفى ما يظهر له رعاية للقائل تارة والمسؤول عنه أخرى مع ما ورد في بعض الأخبار أنه استشار غيرهما * (تنبيه) * وقع بسبب هذا الكلام من على نسبه عائشة إياه إلى الإساءة في شأنها كما تقدم من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة في المغازي وما راجع به الوليد بن عبد الملك من ذلك فأغنى عن اعادته وقد وضح عذر على في ذلك (قوله وسل الجارية تصدقك) في رواية مقسم عن عائشة أرسل إلى بريرة خادمها فسلها فعسى أن تكون قد اطلعت على شئ من أمرها (قوله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء تقدم ضبطها في العتق وفي رواية مقسم فأرسل إلى بريرة فقال لها أتشهدين أني رسول الله قالت نعم قال فإني سائلك عن شئ فلا تكتمينيه قالت نعم قال هل رأيت من عائشة ما تكرهينه قالت لا وقد قيل إن تسميتها هنا وهم لان قصتها كانت بعد فتح مكة كما سيأتي
(٣٥٧)