عن اطلاع من الكتب القديمة لان اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم وذلك بين قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب وقال الكرماني يحتمل أن يكون سمع من بعض القادمين من المدينة سرا أو أنه كان في الجاهلية كامنا أو أنه صار بعد إسلامه محدثا أي بفتح الدال وقد تقدم تفسيره بأنه الملهم (قلت) وسياق الحديث يدل على ما قررته لأنه علق ما ظهر له من وفاته على ما أخبره به جرير من أحواله ولو كان ذلك مستفادا من غير ما ذكرته لما أحتاج إلى بناء ذلك على ذلك لان الأولين خبر محض والثالث وقوع شئ في النفس عن غير قصد وقد روى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن جرير في هذه القصة قال قال لي حبر باليمن وهذا يؤيد ما قلته فلله الحمد (قوله فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم) كأنه جمع باعتبار من كان معهما من الاتباع (قوله فلما كان بعد الخ) لعل ذلك كان لما هاجر ذو عمرو في خلافة عمر وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال ذو الكلاع هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن اطاعه وذكر ابن الكلبي في النسب أن ذا الكلاع كان جميلا فكان إذا دخل مكة يتعمم وشهد صفين مع معاوية وقتل بها (قوله تآمرتم) بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم أو بالقصر وتشديد الميم أي أقمتم أميرا منكم عن رضا منكم أو عهد من الأول (قوله فإذا كانت) أي الامارة (بالسيف) أي بالقهر والغلبة (كانوا ملوكا) أي الخلفاء وهذا دليل على ما قررته أن ذا عمرو كان له اطلاع على الاخبار من الكتب القديمة واشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا قال ابن التين ما قاله ذو عمرو وذو الكلاع لا يكون إلا عن كتاب أو كهانة وما قاله ذو عمرو لا يكون إلا عن كتاب (قلت) ولا أدري لم فرق بين المقالتين والاحتمال فيهما واحد بل المقالة الأخيرة يحتمل أن تكون من جهة التجربة * (قوله باب غزوة سيف البحر) هو بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره فاء أي ساحل البحر (قوله وهم يتلقون عير القريش) هو صريح ما في الرواية الثانية في الباب حيث قال فيها نرصد عير قريش وقد ذكر ابن سعد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا أكيدا وأن ذلك كان في رجب سنة ثمان وهذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة ويقوى هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى أرض جهينة فذكر هذه القصة لكن تلقى عير قريش ما يتصور أن يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لانهم كانوا حينئذ في الهدنة بل مقتضى ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية نعم يحتمل أن يكون تلقيهم للعير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة ولهذا لم يقع في شئ من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحدا بل فيه أنهم قاموا نصف شهر أو أكثر في مكان واحد فالله أعلم
(٦١)