وكان الأصل حرما فقال القرطبي انه صلى الله عليه وسلم تأدب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال ومن يعصهما كذا قال ولم تتفق الرواة في هذا الحديث على ذلك فان في بعض طرقه في الصحيح ان الله حرم ليس فيه ورسوله وفى رواية لابن مردويه من وجه آخر عن الليث ان الله ورسوله حرما وقد صح حديث أنس في النهى عن أكل الحمر الأهلية ان الله ورسوله ينهيانكم ووقع في رواية النسائي في هذا الحديث ينهاكم والتحقيق جواز الافراد في مثل هذا ووجهه الإشارة إلى أن أمر النبي صلى ناشئ عن أمر الله وهو نحو قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه والمختار في هذا ان الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها والتقدير عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه وهو كقول الشاعر - نحن بما عندنا وأنت بما عندك * راض والرأي مختلف - وقيل أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين لان الرسول تابع لأمر الله (قوله فقيل يا رسول الله) لم أقف على تسمية القائل وفى رواية عبد الحميد الآتية فقال رجل (قوله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس) أي فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع (قوله فقال لا هو حرام) أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه ومنهم من حمل قوله وهو حرام على الانتفاع فقال يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم الا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز وقال أحمد وابن الماجشون لا ينتفع بشئ من ذلك واستدل الخطابي على جواز الانتفاع باجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له اطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق (قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود الخ) وسياقه مشعر بقوة ما أوله الأكثر أن المراد بقوله هو حرام البيع لا الانتفاع وروى أحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا الويل لبنى إسرائيل انه لما حرمت عليهم الشحوم باعوها فأكلوا ثمنها وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام وقد مضى في باب تحريم تجارة الخمر حديث تميم الداري في ذلك (قوله وقال أبو عاصم حدثنا عبد الحميد) هو ابن جعفر وهذه الطريق وصلها أحمد عن أبي عاصم وأخرجها مسلم عن أبي موسى عن أبي عاصم ولم يسق لفظه بل قال مثل حديث الليث والظاهر أنه أراد أصل الحديث والا ففي سياقه بعض مخالفة قال أحمد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر أخبرني يزيد بن أبي حبيب ولفظه يقول عام الفتح ان الله حرم بيع الخنازير وبيع الميتة وبيع الخمر وبيع الأصنام قال رجل يا رسول الله فما ترى في بيع شحوم الميتة فإنها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها فقال قاتل الله يهود الحديث فظهر بهذه الرواية ان السؤال وقع عن بيع الشحوم وهو يؤيد ما قررناه ويؤيده أيضا ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو عند الركن قاتل الله اليهود ان الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وان الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه قال جمهور العلماء العلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عند مالك طهارة الخنزير والعلة في منع بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برضاضها جاز
(٣٥٢)