من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فإنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر الا بعد مدة العدة فان عدتها تنقضى لان المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية ونازع الكرماني في اطلاق الشيخ محيي الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بان الترك فعل وهو كف النفس وبان التروك إذا أريد بها تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك وتعقب بان قوله الترك فعل مختلف فيه ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد لان المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها والذي أورده هل يحصل الثواب بدونها والتفاوت بين المقامين ظاهر والتحقيق ان الترك المجرد لا ثواب فيه وانما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه لا الترك المجرد والله أعلم * (تنبيه) * قال الكرماني إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي قوله وانما لكل امرئ ما نوى نوعان من الحصر قصر المسند على المسند إليه إذ المراد انما لكل امرئ ما نواه والتقديم المذكور (قوله فمن كانت هجرته إلى) دنيا كذا وقع في جميع الأصول التي اتصلت لنا عن البخاري بحذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله إلى آخره قال الخطابي وقع هذا الحديث في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره ولست أدرى كيف وقع هذا الاغفال ومن جهة من عرض من رواته فقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي مستوفى وقد رواه لنا الأثبات من طريق الحميدي تاما ونقل ابن التين كلام الخطابي مختصرا وفهم من قوله مخروما انه قد يريد ان في السند انقطاعا فقال من قبل نفسه لان البخاري لم يلق الحميدي وهو مما يتعجب من اطلاقه مع قول البخاري حدثنا الحميدي وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب وجزم كل من ترجمه بان الحميدي من شيوخه في الفقه والحديث وقال ابن العربي في مشيخته لا عذر للبخاري في اسقاطه لان الحميدي شيخه فيه قد رواه في مسنده على التمام قال وذكر قوم انه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدثه هكذا فحدث عنه كما سمع أو حدث به تاما فسقط من حفظ البخاري قال وهو أمر مستبعد جدا عند من اطلع على أحوال القوم وقال الداودي الشارح الاسقاط فيه من البخاري فوجوده في رواية شيخه وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى وقد رويناه من طريق بشر بن موسى وأبى إسماعيل الترمذي وغير واحد عن الحميدي تاما وهو في مصنف قاسم بن أصبغ ومستخرجي أبى نعيم على الصحيحين وصحيح أبى عوانة من طريق الحميدي فإن كان الاسقاط من غير البخاري فقد يقال لم اختار الابتداء بهذا السياق الناقص والجواب قد تقدمت الإشارة إليه وانه اختار الحميدي لكونه أجل مشايخه المكيين إلى آخر ما تقدم في ذلك من المناسبة وإن كان الاسقاط منه فالجواب ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على البخاري ان أحسن ما يجاب به هنا ان يقال لعل البخاري قصد ان يجعل لكتابه صدرا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف فكانه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى الله فان علم منه انه أراد الدنيا أو عرض إلى شئ من معانيها فسيجزيه بنيته ونكب عن أحد
(١٣)