ولهذا عقبه المصنف بباب علامات المنافق وهذا من بديع ترتيبه ثم في هذا الاسناد رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم الأعمش عن شيخه إبراهيم بن يزيد النخعي عن خاله علقمة بن قيس النخعي والثلاثة كوفيون فقهاء وعبد الله الصحابي هو ابن مسعود وهذه الترجمة أحد ما قيل فيه انه أصح الأسانيد والأعمش موصوف بالتدليس ولكن في رواية حفص بن غياث التي تقدمت الإشارة إليها عند المؤلف عنه حدثنا إبراهيم ولم أر التصريح بذلك في جميع طرقه عند الشيخين وغيرهما الا في هذا الطريق وفى المتن من الفوائد الحمل على العموم حتى يرد دليل الخصوص وان النكرة في سياق النفي تعم وان الخاص يقضى على العام والمبين على المجمل وان اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض وان درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له وان المعاصي لا تسمى شركاء وان من لم يشرك بالله شيا فله الامن وهو مهتد فان قيل فالعاصي قد يعذب فما هو الامن والاهتداء الذي حصل له فالجواب انه آمن من التخليد في النار مهتد إلى طريق الجنة والله أعلم (قوله باب علامات المنافق) لما قدم ان مراتب الكفر متفاوتة وكذلك الظلم اتبعه بان النفاق كذلك وقال الشيخ محيي الدين مراد البخاري بهذه الترجمة ان المعاصي تنقص الايمان كما أن الطاعة تزيده وقال الكرماني مناسبة هذا الباب لكتاب الايمان ان النفاق علامة عدم الايمان أو ليعلم منه ان بعض النفاق كفر دون بعض والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد الايمان فهو نفاق الكفر والا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه (قوله حدثنا سليمان أبو الربيع) هو الزهراني بصرى نزل بغداد ومن شيخه فصاعدا مدنيون ونافع بن مالك هو عم مالك بن أنس الامام (قوله آية المنافق ثلاث) الآية العلامة وافراد الآية اما على إرادة الجنس أو ان العلامة انما تحصل باجتماع الثلاث والأول أليق بصنيع المؤلف ولهذا ترجم بالجمع وعقب بالمتن الشاهد لذلك وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ علامات المنافق فان قيل ظاهره الحصر في الثلاث فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ أربع من كن فيه الحديث أجاب القرطبي باحتمال انه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده وأقول ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق على أن في رواية مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عدم الحصر فان لفظة من علامة المنافق ثلاث وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وببعضها في وقت آخر وقال القرطبي أيضا والنووي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة وزاد الأول الخلف في الوعد والثاني الغدر في المعاهدة والفجور في الخصومة (قلت) وفى رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهدة الخلف في الوعد كما في الأول فكان بعض الرواة تصرف في لفظه لان معناهما قد يتحد وعلى هذا فالمزيد خصلة واحدة وهى الفجور في الخصومة والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده وهذا قد يندرج في الخصلة الأولى وهى الكذب في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات
(٨٣)