النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلى إليها وقال ابن التين لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل ذلك مختارا وانما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد وتعقب بان الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل فدل على أن مثله جائز وتفرقة الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلى وبين قبلته في الجملة وأحسن من هذا عندي ان يقال لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها فيحتمل ان يكون مراده التفرقة بين من بقى ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على ازالته أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني وهو المطابق لحديثي الباب ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل وكما روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين انه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت النار ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم قال أريت النار ولا يلزم أن تكون امامه متوجها إليها بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك قال ويحتمل ان يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة انتهى وكان البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس ففيه عرضت على النار وأنا أصلى وأما كونه رآها امامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه ففيه انهم قالوا له بعد ان انصرف يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت أي تأخرت إلى خلف وفى جوابه ان ذلك بسبب كونه أرى النار وفى حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وانا أصلى وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلى والبعيد * (قوله باب كراهية الصلاة في المقابر) استنبط من قوله في الحديث ولا تتخذوها قبورا ان القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا الأرض كلها مسجد الا المقبرة والحمام رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وارساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر العمرى (قوله من صلاتكم) قال القرطبي من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته (قلت) وليس فيه ما ينفى الاحتمال وقد حكى عياض عن بعضهم ان معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال لا يجوز حمله على الفريضة وقد نازع الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر (قلت) قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ لا تجعلوا بيوتكم مقابر وقال ابن التين تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه انما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهى القبور قال فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك (قلت) ان أراد انه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم وان أراد نفى ذلك مطلقا فلا فقد قدمنا
(٤٤١)