والنذور من حديث عبد الله بن هشام ان عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شئ الا من نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنك الآن والله أحب إلى من نفسي فقال الآن يا عمر انتهى فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء ان لو خير بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ان لو كانت ممكنه فإن كان فقدها ان لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شئ من اغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة ومن لا فلا وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى هذا الحديث ايماء إلى فضيلة التفكر فان الأحبية المذكورة تعرف به وذلك أن محبوب الانسان اما نفسه واما غيرها أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات هذا هو حقيقة المطلوب وأما غيرها فإذا حقق الامر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومالا فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الايمان اما بالمباشرة واما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره لان النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه ولا شك ان حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لان هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم والله الموفق وقال القرطبي كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ايمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شئ من تلك المحبة الراجحة غير أنهم متفاوتون فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات في أكثر الأوقات لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانا لا تردد فيه وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر لما وقر في قلوبهم من محبته غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات والله المستعان انتهى ملخصا (قوله باب حلاوة الايمان) مقصود الصنف ان الحلاوة من ثمرات الايمان ولما قدم ان محبة الرسول من الايمان أردفه بما يوجد حلاوة ذلك (قوله حدثنا محمد بن المثنى) هو أبو موسى العنزي بفتح النون بعدها زاي قال حدثنا عبد الوهاب هو ابن عبد الحميد حدثنا أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني بفتح السين المهملة على الصحيح وحكى ضمها وكسرها عن أبي قلابة بكسر القاف وبباء موحدة (قوله ثلاث) هو مبتدأ والجملة الخبر وجاز الابتداء بالنكرة لان التنوين عوض المضاف إليه فالتقدير ثلاث خصال ويحتمل في اعرابه غير ذلك (قوله كن) أي حصلن فهي تامة وفى قوله حلاوة الايمان استعارة تخييلية شبه رغبة المؤمن في الايمان بشئ حلو وأثبت له لازم ذلك الشئ وأضافه إليه وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح لان المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه وكلما نقصت الصحة شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوى استدلال المصنف على الزيادة
(٥٦)