الحديث مرفوعا لأنه يشبه ان يكون كلام من أوتى جوامع الكلم والله أعلم (قوله باب كفران العشير وكفر دون كفر) قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه مراد المصنف ان يبين ان الطاعات كما تسمى ايمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به الكفر المخرج من الملة قال وخص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة وهى قوله صلى الله عليه وسلم لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها فقرن حق الزوج على الزوجة بحق الله فإذا كفرت المرأة حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية كان ذلك دليلا على تهاونها بحق الله فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن الملة ويؤخذ من كلامه مناسبة هذه الترجمة لأمور الايمان من جهة كون الكفر ضد الايمان وأما قول المصنف وكفر دون كفر فأشار إلى أثر رواه أحمد في كتاب الايمان من طريق عطاء بن أبي رباح وغيره وقوله فيه أبو سعيد أي يدخل في الباب حديث رواه أبو سعيد وفى رواية كريمة فيه عن أبي سعيد أي مروى عن أبي سعيد وفائدة هذا الإشارة إلى أن للحديث طريقا غير الطريق المساقة وحديث أبي سعيد أخرجه المؤلف في الحيض وغيره من طريق عياض بن عبد الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للنساء تصدقن فانى رأيتكن أكثر أهل النار فقلن ولم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث ويحتمل ان يريد بذلك حديث أبي سعيد أيضا لا يشكر الله من لا يشكر الناس قاله القاضي أبو بكر المذكور والأول أظهر وأجرى على مألوف المصنف ويعضده ايراده لحديث ابن عباس بلفظ وتكفرن العشير والعشير الزوج قيل له عشير بمعنى معاشر مثل أكيل بمعنى مؤاكل وحديث ابن عباس المذكور طرف من حديث طويل أورده المصنف في باب صلاة الكسوف بهذا الاسناد تاما وسيأتى الكلام عليه ثم وننبه هنا على فائدتين * إحداهما ان البخاري يذهب إلى جواز تقطيع الحديث إذا كان ما يفصله منه لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقا يفضى إلى فساد المعنى فصنيعه كذلك يوهم من لا يحفظ الحديث ان المختصر غير التام لا سيما إذا كان ابتداء المختصر من أثناء التام كما وقع في هذا الحديث فان أوله هنا قوله صلى الله عليه وسلم أريت النار إلى آخر ما ذكر منه وأول التام عن ابن عباس قال خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قصة صلاة الكسوف ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها القدر المذكور هنا فمن أراد عد الأحاديث التي اشتمل عليها الكاتب يظن أن هذا الحديث حديثان أو أكثر لاختلاف الابتداء وقد وقع في ذلك من حكى ان عدته بغير تكرار أربعة آلاف أو نحوها كابن الصلاح والشيخ محيي الدين ومن بعدهما وليس الامر كذلك بل عدته على التحرير ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثا كما بينت ذلك مفصلا في المقدمة * الفائدة الثانية تقرر ان البخاري لا يعيد الحديث الا لفائدة لكن تارة تكون في المتن وتارة في الاسناد وتارة فيهما وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته بل يتصرف فيه فان كثرت طرقه أورد لكل باب طريقا وان قلت اختصر المتن أو الاسناد وقد صنع ذلك في هذا الحديث فإنه أورده هنا عن عبد الله بن مسلمة وهو القعنبي مختصرا مقتصرا على مقصود الترجمة كما تقدمت الإشارة إليه من أن الكفر يطلق على بعض المعاصي ثم أورده في الصلاة في باب من صلى وقدامه نار بهذا الاسناد بعينه لكنه لما لم يغاير اقتصر على مقصود الترجمة منه فقط
(٧٨)