بالمقصود بأوجز عبارة وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو لأنها لا تحمل حتى تلقح أو لأنها تموت إذا غرقت أو لأن لطلعها رائحة منى الآدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها أوجه ضعيفة لان جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم فان الحديث في ذلك لم يثبت والله أعلم وفيه ضرب الأمثال والاشباه لزيادة الافهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشئ بالشئ لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه فان المؤمن لا يماثله شئ من الجمادات ولا يعادله وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير أباه في القول وأنه لا يبادره بما فهمه وان ظن أنه الصواب وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه لان العلم مواهب والله يؤتى فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها وإذا كان أصلها لله وذلك مستفاد من تمنى عمر المذكور ووجه تمنى عمر رضي الله عنه ما طبع الانسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسئلة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها * (فائدة) * قال البزار في مسنده لم يرو هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق الا ابن عمر وحده ولما ذكره الترمذي قال وفى الباب عن أبي هريرة وأشار بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسيره لفظه مثل المؤمن مثل النخلة وعند الترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة تفرد برفعه حماد بن سلمة وقد تقدم أن في رواية مجاهد عن ابن عمر أنه كان عاشر عشرة فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر وعمر وابن عمر وأبا هريرة وأنس بن مالك إن كان سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذلك المجلس والله تعالى أعلم (قوله باب طرح الامام المسئلة) أورد فيه حديث ابن عمر المذكور بلفظ قريب من لفظ الذي قبله وانما أورده باسناد آخر ايثارا لابداء فائدة تدفع اعتراض من يدعى عليه التكرار بلا فائدة وأما دعوى الكرماني أنه لمراعاة صنيع مشايخه في تراجم مصنفاتهم وأن رواية قتيبة هنا كانت في بيان معنى التحديث والاخبار ورواية خالد كانت في بيان طرح الامام المسئلة فذكر الحديث في كل موضع عن شيخه الذي روى له الحديث لذلك الامر فإنها غير مقبولة ولم نجد عن أحد ممن عرف حال البخاري وسعة علمه وجودة تصرفه حكى انه كان يقلد في التراجم ولو كان كذلك لم يكن له مزية على غيره وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه والذي ادعاه الكرماني يقتضى أنه لا مزية له في ذلك لأنه مقلد فيه لمشايخه ووراء ذلك أن كلا من قتيبة وخالد بن مخلد لم يذكر لاحد منهما ممن صنف في بيان حالهما أن له تصنيفا على الأبواب فضلا عن التدقيق في التراجم وقد أعاد الكرماني هذا الكلام في شرحه مرارا ولم أجد له سلفا في ذلك والله المستعان وراويه عن عبد الله بن دينار سليمان هو ابن بلال المدني الفقيه المشهور ولم أجده من روايته الا عند البخاري ولم يقع لاحد
(١٣٦)