إلى البول فلو أبعد لتضرر واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستورا بالحائط أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الابعاد التستر وهو يحصل بارخاء الذيل والدنو من الساتر وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرنى فذكر الحديث وظهر منه الحكمة في ادنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبة استدبره وظهر أيضا ان ذلك كان في الحضر لا في السفر ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما والاتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا وبيانه انه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من ضرر فراعى أهم الامرين وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما * (قوله في باب البول عند سباطة قوم كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول) بين ابن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه انه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقال ويحك أفلا قاعدا ثم ذكر قصة بني إسرائيل وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبى موسى (قوله ثوب أحدهم) وقع في مسلم جلد أحدهم قال القرطبي مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الاصر الذي حملوه ويؤيده رواية أبى داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى (قوله قرضه) أي قطعه زاد الإسماعيلي بالمقراض وهو يدفع حمل من حمل القرض على الغسل بالماء (قوله ليته أمسك) وللإسماعيلي لوددت ان صاحبكم لا يشدد هذا التشديد وانما احتج حذيفة بهذا الحديث لان البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة واستدل به لمالك في الرخصة في مثل رؤس الإبر من البول وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شئ والى هذا أشار ابن حبان في ذكر السبب في قيامه قال لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا فأمن ان يرتد إليه شئ من بوله وقيل لان السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شئ وقيل انما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه قال البول قائما أحصن للدبر وقيل السبب في ذلك ما روى عن الشافعي وأحمد ان العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بذلك فلعله كان به وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال انما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمابض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والأظهر انه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود والله أعلم وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما ان البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما بال قائما منذ أنزل عليه
(٢٨٤)