بشئ دون الحلاب فاخذ بكفه فبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماء فافرغ على رأسه فلولا قوله ماء لأمكن حمله على التطيب قبل الغسل لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي عاصم بلفظ كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفيه فيجعلها على شقه الأيمن ثم الأيسر كذلك فقوله يغتسل وقوله غرفة أيضا مما يدل على أنه اناء الماء وفى رواية لابن حبان والبيهقي ثم يصب على شق رأسه الأيمن والتطيب لا يعبر عنه بالصب فهذا كله يبعد تأويل من حمله على التطيب ورأيت عن بعضهم ولا أحفظه الآن أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة انها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحرام قال والغسل من سنن الاحرام وكأن الطيب حصل عند الغسل فأشار البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرا من عادته انتهى ويقويه تبويب البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب باب من تطيب ثم اغتسل وبقى أثر الطيب ثم ساق حديث عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما وفى رواية بعدها كأني انظر إلى وبيص الطيب أي لمعانه في مفرقه صلى الله عليه وسلم وهو محرم وفى رواية أخرى عنده قبيل هذا الباب ثم يصبح محرما ينضخ طيبا فاستنبط الاغتسال بعد التطيب من قولها ثم طاف على نسائه لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال فعرف أنه اغتسل بعد أن تطيب وبقى أثر الطيب بعد الغسل لكثرته لأنه كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه فعلى هذا فقوله هنا من بدأ بالحلاب أي باناء الماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل أو من بدأ بالطيب عند إرادة الغسل فالترجمة مترددة بين الامرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل وأما التطيب بعده فمعروف من شانه وأما البداءة بالطيب قبل الغسل في الإشارة إلى الحديث الذي ذكرناه وهذا أحسن الأجوبة عندي وأليقها بتصرفات البخاري والله أعلم وعرف من هذا أن قول الإسماعيلي وأي معنى للطيب عند الغسل معترض وكذا قول ابن الأثير الذي تقدم وفى كلام غيرهما مما تقدم مؤاخذات لم تتعرض لها لظهورها والله الهادي للصواب (تكميل) أبو عاصم المذكور في الاسناد هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وقد أكثر عنه في هذا الكتاب لكنه نزل في هذا الاسناد فادخل بينه وبينه واسطة وحنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر وقوله كان إذا اغتسل أي إذا أراد أن يغتسل كما تبين من رواية الإسماعيلي وقوله دعا أي طلب وقوله نحو الحلاب أي اناء قريب من الاناء الذي يسمى الحلاب وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفى رواية لابن حبان وأشار أبو عاصم بكفيه فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الاعلى وفى رواية للبيهقي كقدر كوز يسع ثمانية أرطال وزاد مسلم في روايته لهذا الحديث عن محمد بن المثنى أيضا بهذا الاسناد بعد قوله الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه فأشار بقوله أخذ بكفيه إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبى عوانة وقوله بكفه وقع في رواية الكشميهني بكفيه بالتثنية وقوله على وسط رأسه هو بفتح السين قال الجوهري كل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالسكون وان لم يصلح فهو بالتحريك وفى الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر وبذلك ترجم عليه ابن خزيمة والبيهقي وفيه الاجتزاء بالغسل بثلاث غرفات وترجم على ذلك ابن حبان وسنذكر الكلام على قوله فقال بهما في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى * (قوله باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة) أي في غسل الجنابة
(٣١٩)