أشد وقد تقدم النقل عمن حكى ان سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس ولم نقف على تسميته ونقل ابن دحية ان اسمها قيلة بقاف مفتوحة ثم تحتانية ساكنة وحكى ابن بطال عن ابن سراج ان السبب في تخصيص المرأة بالذكر ان العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية ويراعون الكفاءة في النسب فلما جاء الاسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك انتهى ويحتاج إلى نقل ثابت ان هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربية وليس ما نفاه عن العرب على اطلاقه بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الاسلام واطلاقه ان الاسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع (قوله فهجرته إلى ما هاجر إليه) يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها وانما أبرز الضمير في الجملة التي قبلها وهى المحذوفة لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما بخلاف الدنيا والمرأة فان السياق يشعر بالحث على الاعراض عنهما وقال الكرماني يحتمل أن يكون قوله إلى ما هاجر إليه متعلقا بالهجرة فيكون الخبر محذوفا والتقدير قبيحة أو غير صحيحة مثلا ويحتمل أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدا الذي هو من كانت انتهى وهذا الثاني هو الراجح لان الأول يقتضى ان تلك الهجرة مذمومة مطلقا وليس كذلك الا ان حمل على تقدير شئ يقتضى التردد أو القصور عن الهجرة الخالصة كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة وانما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الامر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالاعفاف ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة اسلام أبى طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الاسلام أسلمت أم سليم قبل أبى طلحة فخطبها فقالت انى قد أسلمت فان أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته وهو محمول على أنه رغب في الاسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب انه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر أو الديني أجر بقدره وان تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر وأما إذا نوى العبادة وخالطها شئ مما يغاير الاخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف ان الاعتبار بالابتداء فإن كان في ابتدائه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من اعجاب وغيره والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الاقدام على العمل قبل معرفة الحكم لان فيه ان العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية ولا يصح نية فعل الشئ الا بعد معرفة حكمه وعلى أن الغافل لا تكليف عليه لان القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير قاصد وعلى أن من صام تطوعا بنية قبل الزوال أن لا يحسب له الا من وقت النية وهو مقتضى الحديث لكن تمسك من قال بانعطافها بدليل اخر ونظيره حديث من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أي أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى وعلى أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئا لا يمكن غفلتهم عنه ولم
(١٦)