وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام انتهى ملخصا وحاصله ان الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أولا فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة فرارا من التزكية وبقى الجملة المترددة المحتملة تفويضا للامر إلى ربه المطلع على سريرته المجازى له بمقتضى نيته ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم وكان من رأى المصنف جواز اختصار الحديث والرواية بالمعنى والتدقيق في الاستنباط وايثار الأغمض على الاجلى وترجيح الاسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنا واسنادا وقد وقع في رواية حماد بن زيد في باب الهجرة تأخر قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله عن قوله فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فيحتمل أن تكون رواية الحميدي وقعت عند البخاري كذلك فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث وعلى تقدير أن لا يكون ذلك فهو مصير من البخاري إلى جواز الاختصار في الحديث ولو من أثنائه وهذا هو الراجح والله أعلم وقال الكرماني في غير هذا الموضع إن كان الحديث عند البخاري تاما لم خرمه في صدر الكتاب مع أن الخرم مختلف في جوازه (قلت) لا جزم بالخرم لان المقامات مختلفة فلعله في مقام بيان ان الايمان بالنية واعتقاد القلب سمع الحديث تاما وفى مقام ان الشروع في الأعمال انما يصح بالنية سمع ذلك القدر الذي روى ثم الخرم يحتمل أن يكون من بعض شيوخ البخاري لا منه ثم إن كان منه فخرمه ثم لان المقصود يتم بذلك المقدار (فان قلت) فكان المناسب أن يذكر عند الخرم الشق الذي يتعلق بمقصوده وهو أن النية ينبغي أن تكون لله ورسوله (قلت) لعله نظر إلى ما هو الغالب الكثير بين الناس انتهى وهو كلام من لم يطلع على شئ من أقوال من قدمت ذكره من الأئمة على هذا الحديث ولا سيما كلام ابن العربي وقال في موضع آخر ان ايراد الحديث تاما تارة وغير تام تارة انما هو من اختلاف الرواة فكل منهم قد روى ما سمعه فلا خرم من أحد ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي يناسب كلا منها بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له انتهى وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه فساقه في موضع تاما وفى موضع مقتصرا على بعضه وهو كثير جدا في الجامع الصحيح فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته ان ذلك من تصرفه لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه انه لا يذكر الحديث الواحد في موضعين على وجهين بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان صحيحا وتارة بغيره إن كان فيه شئ وما ليس له الا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندا ومتنا في موضعين أو أكثر الا نادرا فقد عنى بعض من لقيته يتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعا (قوله هجرته) الهجرة الترك والهجرة إلى الشئ الانتقال إليه عن غيره وفى الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الاسلام على وجهين * الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الامن كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة * الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الايمان وذلك بعد ان استقر النبي صلى الله
(١٤)