في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب وقفة وفى الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما * (قوله باب تقضى الحائض) أي تؤدى (المناسك كلها الا الطواف بالبيت) قيل مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار أن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وغيرها فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيها الا الطواف فقط وفى كون هذا مراده نظر لان كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره ان مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج الا الطواف وانما استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شئ من ذلك فكذلك الجنب لان حدثها أغلظ من حدثه ومنع القراءة إن كان لكونه ذكر الله فلا فرق بينه وبين ما ذكر وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ولم يصح عند المصنف شئ من الأحاديث الواردة في ذلك وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث كان يذكر الله على كل أحيانه لان الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره وانما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي اشعارا بان منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ أربعة لا يقرؤن القرآن الجنب والحائض وعند الخلاء وفى الحمام الا الآية ونحوها للجنب والحائض وروى عن مالك نحو قول إبراهيم وروى عنه الجواز مطلقا وروى عنه الجواز للحائض دون الجنب وقد قيل إنه قول الشافعي في القديم ثم أورد أثر ابن عباس وقد وصله ابن المنذر بلفظ ان ابن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين وقوله فيه ويدعون كذا لأكثر الرواة وللكشميهني يدعين بياء تحتانية بدل الواو ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب كأنه يقول إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءته كذا قاله ابن رشيد وتوجيه الدلالة منه انما هي من حيث إنه انما كتب إليهم ليقرؤوه فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط وقد أجيب ممن منع ذلك وهم الجمهور بان الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة ونص أحمد انه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ وقال به كثير من الشافعية ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين قال الثوري لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه وأكره أن يعلمه الآية هو كالجنب وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه وعنه ان رجى منه الهداية جاز
(٣٤٧)