محجن بن الا ردع عند أحمد انكم لن تنالوا هذا الامر بالمغالبة وخير دينكم اليسرة وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الاخذ بالرخصة الشرعية فان الاخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضى به استعماله إلى حصول الضرر (قوله فسددوا) أي الزموا السداد وهو الصواب من غير افراط ولا تفريط قال أهل اللغة السداد التوسط في العمل (قوله وقاربوا) أي ان لم تستطيعوا الاخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه (قوله وأبشروا) أي بالثواب على العمل الدائم وان قل والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بان العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما (قوله واستعينوا بالغدوة) أي استعينوا على مداومة العبادة بايقاعها في الأوقات المنشطة والغدوة بالفتح سير أول النهار وقال الجوهري ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس والروحة بالفتح السير بعد الزوال والدلجة بضم أوله وفتحه واسكان اللام سير آخر الليل وقيل سير الليل كله ولهذا عبر فيه بالتبعيض ولان عمل الليل أشق من عمل النهار وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر وكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه لان المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا عجز وانقطع وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة وحسن هذه الاستعارة ان الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة وان هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة وقوله في رواية ابن أبي ذئب القصد القصد بالنصب فيهما على الاغراء والقصد الاخذ بالامر الأوسط ومناسبة ايراد المصنف لهذا الحديث عقب الأحاديث التي قبله ظاهرة من حيث إنها تضمنت الترغيب في القيام والصيام والجهاد فأراد أن يبين ان الأولى للعامل بذلك ان لا يجهد نفسه بحيث يعجز وينقطع بل يعمل بتلطف وتدريج ليدوم عمله ولا ينقطع ثم عاد إلى سياق الأحاديث الدالة على أن الأعمال الصالحة معدودة من الايمان فقال باب الصلاة من الايمان (قوله باب) هو مرفوع بتنوين وبغير تنوين والصلاة مرفوع وعلى التنوين فقوله وقول الله مرفوع عطفا على الصلاة وعلى عدمه مجرور مضاف (قوله يعنى صلاتكم) وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الذي أخرج منه المصنف حديث الباب فروى الطيالسي والنسائي من طريق شريك وغيره عن أبي إسحاق عن البراء في الحديث المذكور فأنزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم صلاتكم إلى بيت المقدس وعلى هذا فقول المصنف عند البيت مشكل مع أنه ثابت عنه في جميع الروايات ولا اختصاص لذلك بكونه عند البيت وقد قيل إن فيه تصحيفا والصواب يعنى صلاتكم لغير البيت وعندي انه لا تصحيف فيه بل هو صواب ومقاصد البخاري في هذه الأمور دقيقة وبيان ذلك ان العلماء اختلفوا في الجهة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها للصلاة وهو بمكة فقال ابن عباس وغيره كان يصلى إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون انه كان يصلى إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلى إلى الكعبة فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين والأول أصح لأنه يجمع بين القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس وكأن البخاري أراد الإشارة إلى الجزم بالأصح من أن الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس واقتصر على ذلك اكتفاء
(٨٨)