ثم أورده في صلاة الكسوف بهذا الاسناد فساقه تاما ثم أورده في بدء الخلق في ذكر الشمس والقمر عن شيخ غير القعنبي مقتصرا على موضع الحاجة ثم أورده في عشرة النساء عن شيخ غيرهما عن مالك أيضا وعلى هذه الطريقة يحمل جميع تصرفه فلا يوجد في كتابه حديث على صورة واحدة في موضعين فصاعدا والله الموفق وسيأتى الكلام على ما تضمنه حديث الباب من الفوائد حيث ذكره تاما إن شاء الله تعالى (قوله باب) هو منون وقوله المعاصي مبتدأ ومن أمر الجاهلية خبره والجاهلية ما قبل الاسلام وقد يطلق في شخص معين أي في حال جاهليته وقوله ولا يكفر بتشديد الفاء المفتوحة وفى رواية أبى الوقت بفتح أوله واسكان الكاف وقوله الا بالشرك أي ان كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية والشرك أكبر المعاصي ولهذا استثناه ومحصل الترجمة أنه لما قدم ان المعاصي يطلق عليها الكفر مجازا على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد أراد ان يبين انه كفر لا يخرج عن الملة خلافا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب ونص القرآن يرد عليهم وهو قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فصير ما دون الشرك تحت امكان المغفرة والمراد بالشرك في هذه الآية الكفر لان من جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مثلا كان كافرا ولو لم يجعل مع الله الها آخر والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف وقد يرد الشرك ويراد به ما هو أخص من الكفر كما في قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين قال ابن بطال غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج ويقول إن من مات على ذلك يخلد في النار والآية ترد عليهم لان المراد بقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من مات على كل ذنب سوى الشرك وقال الكرماني في استدلاله بقول أبي ذر عيرته بأمه نظر لان التعيير ليس كبيرة وهم لا يكفرون بالصغائر (قلت) استدلاله عليهم من الآية ظاهر ولذلك اقتصر عليه ابن بطال وأما قصة أبي ذر فإنما ذكرت ليستدل بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال الجاهلية سوى الشرك لا يخرج عن الايمان بها سواء كانت من الصغائر أم الكبائر وهو واضح واستدل المؤلف أيضا على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر بان الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن فقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ثم قال انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر فيك جاهلية أي خصلة جاهلية مع أن منزلة أبي ذر من الايمان في الذروة العالية وانما وبخه بذلك على عظيم منزلته عنده تحذيرا له عن معاودة مثل ذلك لأنه وإن كان معذورا بوجه من وجوه العذر لكن وقوع ذلك من مثله يستعظم أكثر ممن هو دونه وقد وضح بهذا وجه دخول الحديثين تحت الترجمة وهذا على مقتضى هذه الرواية رواية أبي ذر عن مشايخه لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملى وأما رواية الأصيلي وغيره فأفرد فيها حديث أبي بكرة بترجمة وان طائفتان من المؤمنين وكل من الروايتين جمعا وتفريقا حسن والطائفة القطعة من الشئ ويطلق على الواحد فما فوقه عند الجمهور واما اشتراط حضور أربعة في رجم الزاني مع قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فالآية واردة في الجلد ولا اشتراط فيه والاشتراط في الرجم بدليل آخر وأما اشتراط ثلاثة في صلاة الخوف مع قوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك
(٧٩)