عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقى عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا فان قيل الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا من أطاع أطاع وانما يقال مثلا من أطاع نجا وقد وقعا في هذا الحديث متحدين فالجواب ان التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق ومن أمثلته قوله تعالى ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس كقولهم أنت أنت أي الصديق الخالص وقولهم هم هم أي الذين لا يقدر قدرهم وقول الشاعر * أنا أبو النجم وشعرى شعري * أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب وقال ابن مالك قد يقصد بالخبر الفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر خليلي خليلي دون ريب وربما * ألان امرء قولا فظن خليلا وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك من قصدني فقد قصدني أي فقد قصد من عرف بانجاح قاصده وقال غيره إذا اتحد لفظ المبتدا والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة اما في التعظيم واما في التحقير (قوله إلى دنيا) بضم الدال وحكى ابن قتيبة كسرها وهى فعلى من الدنو أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى وقيل سميت دنيا لدنوها إلى الزوال واختلف في حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو وقيل كل المخلوقات من الجواهر والاعراض والأول أولى لكن يزاد فيه مما قبل قيام الساعة ويطلق على كل جزء منها مجازا ثم إن لفظها مقصور غير منون وحكى تنوينها وعزاه ابن دحية إلى رواية أبى الهيثم الكشميهني وضعفها وحكى عن بن مغور أن أبا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبى الهيثم حيث ينفرد لأنه لم يكن من أهل العلم (قلت) وهذا ليس على اطلاقه فان في رواية أبى الهيثم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره كما سيأتي مبينا في مواضعه وقال التيمي في شرحه قوله دنيا هو تأنيث الأدنى ليس بمصروف لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيث وتعقب بأن لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف وأما الوصفية فقال ابن مالك استعمال دنيا منكرا فيه اشكال لأنها أفعل التفضيل فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى قال الا انها خلعت عنها الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا قط ومثله قول الشاعر وان دعوت إلى جلى ومكرمة * يوما سراة كرام الناس فادعينا وقال الكرماني قوله إلى يتعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة أو هو خبر لكانت إن كانت ناقصة ثم أورد ما محصله ان لفظ كان إن كان للامر الماضي فلا يعلم ما الحكم بعد صدور هذا القول في ذلك وأجاب بأنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود من غير تقييد بزمان أو يقاس المستقبل على الماضي أو من جهة ان حكم المكلفين سواء (قوله يصيبها) أي يحصلها لان تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود (قوله أو امرأة) قيل التنصيص عليها من الخاص بعد العام للاهتمام به وتعقبه النووي بان لفظ دنيا نكرة وهى لا تعم في الاثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها وتعقب بكونها في سياق الشرط فتعم ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لان الافتتان بها
(١٥)