على نحو ما تقدم وعرف من هذا ان ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره (قوله بثثته) بفتح الموحدة والمثلثة وبعدها مثلثة ساكنة تدغم في المثناة التي بعدها أي أذعته ونشرته زاد الإسماعيلي في الناس (قوله قطع هذا البلعوم) زاد في رواية المستملى قال أبو عبد الله يعنى المصنف البلعوم مجرى الطعام وهو بضم الموحدة وكنى بذلك عن القتل وفى رواية الإسماعيلي لقطع هذا يعنى رأسه وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وامارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة وستأتي الإشارة إلى شئ من ذلك أيضا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال ابن المنير جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا ان للشريعة ظاهرا وباطنا وذلك الباطل انما حاصله الانحلال من الدين قال وانما أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ويؤيد ذلك ان الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم وقال غيره يحتمل ان يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ويعترض عليه من لا شعور له به (قوله باب الانصات للعلماء) أي السكوت والاستماع لما يقولونه (قوله حدثنا حجاج) هو ابن منهال (قوله عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي وهو جد أبى زرعة الراوي عنه هنا (قوله قال له في حجة الوداع) ادعى بعضهم ان لفظ له زيادة لان جرير انما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين فقد جزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما وما جزم به يعارضه قول البغوي وابن حيان انه أسلم في رمضان سنة عشر ووقع في رواية المصنف لهذا الحديث في باب حجة الوداع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرير وهذا لا يحتمل التأويل فيقوى ما قال البغوي والله أعلم (قوله يضرب) هو بضم الباء في الروايات والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حالة قتل بعضهم بعضا وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال ابن بطال فيه ان الانصات للعلماء لازم للمتعلمين لان العلماء ورثة الأنبياء كأنه أراد بهذا مناسبة الترجمة للحديث وذلك أن العقبة المذكورة كانت في حجة الوداع والجمع كثير جدا وكان اجتماعهم لرمى الجمار وغير ذلك من أمور الحج وقد قال لهم خذوا عنى مناسككم كما ثبت في صحيح مسلم فلما خطبهم ليعلمهم ناسب ان يأمرهم بالانصات وقد وقع التفريق بين الانصات والاستماع في قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ومعناهما مختلف فالانصات هو السكوت وهو يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع كأن يكون مفكرا في أمر آخر وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه وقد قال سفيان الثوري وغيره أول العلم الاستماع ثم الانصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر وعن الأصمعي تقديم الانصات على الاستماع وقد ذكر علي بن المديني أنه قال لابن عيينة أخبرني معتمر بن سليمان عن كهمس عن مطرف قال الانصات من العينين فقال له ابن عيينة وما ندري كيف ذلك
(١٩٣)