الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب فرضى الله عن مصنفه وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه وكرمه فان قيل لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث فالجواب انه اما ان يكون اكتفى بالآيتين الكريمتين واما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر واما أورد فيه حديث ابن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة وفيه نظر على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام ان البخاري بوب الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه وعن بعض أهل العراق انه تعمد بعد الترجمة عدم ايراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شئ عنده على شرطه (قلت) والذي يظهر لي ان هذا محله حيث لا يورد فيه آية ولا أثرا أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد في تفسير مالك الآية وانه لم يثبت فيه شئ على شرطه وما دلت عليه الآية كاف في الباب والى ان الأثر الوارد في ذلك يقوى به طريق المرفوع وان لم يصل في القوة إلى شرطه والأحاديث في فضل العلم كثيرة صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ولم يخرجه البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش والراجح انه بينه وبين أبى صالح فيه واسطة والله أعلم (قوله باب من سئل علما وهو مشتغل) محصله التنبيه على أدب العالم والمتعلم أما العالم فلما تضمنه من ترك زجر السائل بل أدبه بالاعراض عنه أولا حتى استوفى ما كان فيه ثم رجع إلى جوابه فرفق به لأنه من الاعراب وهم جفاة وفيه العناية بجواب سؤال السائل ولو لم يكن السؤال متعينا ولا الجواب وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل ان لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره لان حق الأول مقدم ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به حتى يتضح لقوله كيف اضاعتها وبوب عليه ابن حبان إباحة اعفاء المسؤول عن الإجابة على الفور لكن سياق القصة يدل على أن ذلك ليس على الاطلاق وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب ومن ثم قيل حسن السؤال نصف العلم وقد أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا لا تقطع الخطبة لسؤال سائل بل إذا فرغ يجيبه وفصل الجمهور بين ان يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب أو في غير الواجبات فيجيب والأولى حينئذ التفصيل فإن كان مما يهتم به في أمر الدين ولا سيما ان اختص بالسائل فيستحب اجابته ثم يتم الخطبة وكذا بين الخطبة والصلاة وإن كان بخلاف ذلك فيؤخر وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضى تقديم الجواب لكن إذا أجاب استأنف على الأصح ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة فيؤخر كما في هذا الحديث ولا سيما إن كان ترك السؤال عن ذلك أولى وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمت الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال أين السائل فاجابه أخرجاه وإن كان السائل به ضرورة ناجزة فتقدم اجابته كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب رجل غريب لا يدرى دينه جاء يسأل عن دينه فترك خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه ثم أتى خطبته فأتم آخرها وكما في حديث سمرة عند أحمد ان أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب كل وكما في الصحيحين في قصة سالم لما دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين الحديث وسيأتى في الجمعة
(١٣١)