يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن يكونوا متفرقين قلت وسيأتى بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله يفقهه) أي يفهمه كما تقدم وهى ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط يقال فقه بالضم إذا صار الفقه له سجية وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم ونكر خيرا ليشمل القليل والكثير والتنكير للتعظيم لان المقام يقتضيه ومفهوم الحديث ان من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الاسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في أخره ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به والمعنى صحيح لان من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير وفى ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم وسيأتى بقية الكلام على الحديثين الآخرين في موضعهما من الخمس والاعتصام إن شاء الله تعالى وقوله لن تزال هذه الأمة يعنى بعض الأمة كما يجئ مصرحا به في الموضع الذي أشرت إليه إن شاء الله تعالى (قوله باب الفهم) أي فضل الفهم في العلم أي في العلوم (قوله حدثنا على) في رواية أبي ذر بن عبد الله وهو المعروف بابن المديني (قوله حدثنا سفيان قال قال لي ابن أبي نجيح) في مسند الحميدي عن سفيان حدثني ابن أبي نجيح (قوله صحبت ابن عمر إلى المدينة) فيه ما كان بعض الصحابة عليه من توقى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الا عند الحاجة خشية الزيادة والنقصان وهذه كانت طريقة ابن عمر ووالده عمر وجماعة وانما كثرت أحاديث ابن عمر مع ذلك لكثرة من كان يسأله ويستفتيه وقد تقدم الكلام على متن حديث الباب في أوائل كتاب العلم ومناسبته للترجمة ان ابن عمر لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسئلة عند احضار الجمار إليه فهم ان المسؤول عنه النخلة فالفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل وقد أخرج أحمد في حديث أبي سعيد الآتي في الوفاة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ان عبدا خيره الله فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا فتعجب الناس وكان أبو بكر فهم من المقام ان النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير فمن ثم قال أبو سعيد فكان أبو بكر أعلمنا به والله الهادي إلى الصواب بسم الله الرحمن الرحيم (قوله باب الاغتباط في العلم) هو بالغين المعجمة (قوله في العلم والحكمة) فيه نظير ما ذكرنا في قوله بالموعظة والعلم لكن هذا عكس ذاك أو هو من العطف التفسيري ان قلنا إنهما مترادفان (قوله وقال عمر تفقهوا قبل ان تسودوا) هو بضم المثناة وفتح المهملة وتشديد الواو أي تجعلوا سادة زاد الكشميهني في روايته قال أبو عبد الله أي البخاري وبعد ان تسودوا إلى قوله سنهم أما أثر عمر فأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق محمد بن سيرين عن الأحنف بن قيس قال قال عمر فذكره واسناده صحيح وانما عقبه البخاري بقوله وبعد أن تسودوا ليبين ان لا مفهوم له خشية ان يفهم أحد من ذلك ان السيادة مانعة من التفقه وانما أراد عمر أنها قد تكون سببا للمنع لان الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام ان يجلس مجلس المتعلمين ولهذا قال مالك من عيب القضاء ان القاضي إذا عزل لا يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه وقال الشافعي
(١٥١)