رواية شعبة المشار إليها وهذا هو السر في ذكرها هنا وكأنه فهم ان المراد بالمتابعة حديث أبي هريرة المذكور في الباب وليس كذلك إذ لو أراده لسماه شاهدا وأما دعواه ان بينهما مخالفة في المعنى فليس بمسلم لما قررناه آنفا وغايته أن يكون في أحدهما زيادة وهى مقبولة لأنها من ثقة متقن والله أعلم * (فائدة) * رجال الاسناد الثاني كلهم كوفيون الا الصحابي وقد دخل الكوفة أيضا والله أعلم (قوله باب قيام ليلة القدر من الايمان) لما بين علامات النفاق وقبحها رجع إلى ذكر علامات الايمان وحسنها لان الكلام على متعلقات الايمان هو المقصود بالأصالة وانما يذكر متعلقات غيره استطرادا ثم رجع فذكر ان قيام ليلة القدر وقيام رمضان وصيام رمضان من الايمان وأورد الثلاثة من حديث أبي هريرة متحدات الباعث والجزاء وعبر في ليلة القدر بالمضارع في الشرط وبالماضي في جوابه بخلاف الآخرين فبالماضي فيهما وأبدى الكرماني لذلك نكتة لطيفة قال لان قيام رمضان محقق الوقوع وكذا صيامه بخلاف قيام ليلة القدر فإنه غير متيقن فلهذا ذكره بلفظ المستقبل انتهى كلامه وفيه شئ ستأتي الإشارة إليه وقال غيره استعمل لفظ الماضي في الجزاء إشارة إلى تحقق وقوعه فهو نظير أتى أمر الله وفى استعمال الشرط مضارعا والجواب ماضيا نزاع بين النحاة فمنعه الأكثر وأجازه آخرون لكن بقلة استدلوا بقوله تعالى ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت لان قوله فظلت بلفظ الماضي وهو تابع للجواب وتابع الجواب جواب واستدلوا أيضا بهذا الحديث وعندي في الاستدلال به نظر لأنني أظنه من تصرف الرواة لان الروايات فيه مشهورة عن أبي هريرة بلفظ المضارع في الشرط والجزاء وقد رواه النسائي عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فلم يغاير بين الشرط والجزاء بل قال من يقم ليلة القدر يغفر له ورواه أبو نعيم في المستخرج عن سليمان وهو الطبراني عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أبي اليمان ولفظه زائد على الروايتين فقال لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقهما ايمانا واحتسابا الا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقوله في هذه الرواية فيوافقها زيادة بيان والا فالجزاء مرتب على قيام ليلة القدر ولا يصدق قيام ليلة القدر الا على من وافقها والحصر المستفاد من النفي والاثبات مستفاد من الشرط والجزاء فوضح ان ذلك من تصرف الرواة بالمعنى لان مخرج الحديث واحد وسيأتى الكلام على ليلة القدر وعلى صيام رمضان وقيامه إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام (قوله باب الجهاد من الايمان) أورد هذا الباب بين قيام ليلة القدر وبين قيام رمضان وصيامه فاما مناسبة ايراده معها في الجملة فواضح لاشتراكها في كونها من خصال الايمان وأما ايراده بين هذين البابين مع أن تعلق أحدهما بالآخر ظاهر فلنكتة لم أر من تعرض لها بل قال الكرماني صنيعه هذا دال على أن النظر مقطوع عن غير هذه المناسبة يعنى اشتراكها في كونها من خصال الايمان (وأقول) بل قيام ليلة القدر وإن كان ظاهر المناسبة لقيام رمضان لكن للحديث الذي أورده في باب الجهاد مناسبة بالتماس ليلة القدر حسنة جدا لان التماس ليلة القدر تستدعى محافظة زائدة ومجاهدة تامة ومع ذلك فقد يوافقها أو لا وكذلك المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد اعلاء كلمة الله وقد يحصل له ذلك أو لا فتناسبا في أن كل منهما مجاهدة وفى ان كلا منهما قد يحصل المقصود الأصلي لصاحبه أولا فالقائم لالتماس ليلة القدر مأجور فان وافقها كان أعظم أجرا والمجاهد لالتماس الشهادة
(٨٥)